وقد روى محمد بن سعد بن منيع صاحب «الطبقات الكبرى» غزوة الطائف كما يلي : ثم غزوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم الطائف في شوال سنة ثمان من مهاجره. قالوا : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حنين يريد الطائف ، وقدّم خالد بن الوليد على مقدمته ، وقد كانت ثقيف رمّوا حصنهم ، وأدخلوا فيه ما يصلحهم لسنة ، فلمّا انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم ، وأغلقوه عليهم ، وتهيّؤا للقتال ، وسار رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزل قريبا من حصن الطائف ، وعسكر هناك ، فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا ، كأنّه رجل (١) جراد ، حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة ، وقتل منهم اثنا عشر رجلا ، فيهم عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ، وسعيد بن العاص ، ورمي عبد الله بن أبي بكر الصديق يومئذ فاندمل الجرح ، ثم انتقض به بعد ذلك فمات منه ، فارتفع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى موضع مسجد الطائف اليوم ، وكان معه من نسائه أمّ سلمة وزينب ، فضرب لهما قبتين ، وكان يصلّي بين القبتين حصار الطائف كلّه ، فحاصرهم ثمانية عشر يوما ، ونصب عليهم المنجنيق ، ونثر الحسك (٢) سقبين (٣). من عبدان حول الحصن فرمتهم ثقيف بالنبل ، فقتل منهم رجال ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقطع أعنابهم وتحريقها ، فقطع المسلمون قطعا ذريعا ، ثم سألوه أن يدعها لله وللرحم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فإنّي أدعها لله وللرّحم» ، ونادى منادي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أيّما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حرّ» فخرج منهم بضعة عشر رجلا ، منهم ، أبو بكرة ، نزل في بكرة ، فقيل : أبو بكرة ، فأعتقهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ودفع كلّ رجل منهم إلى رجل
__________________
(١) [القطعة العظيمة].
(٢) آلة من الحديد ، وأحيانا من الخشب ، تلقى حول العسكر لتنشب في رجل من يدوسها ، وهي أشبه بما يقال له اليوم : الأسلاك الشائكة.
(٣) السقب بفتح فسكون : الطويل من كلّ شيء ، وكلّ شيء تمّ وامتلأ فهو سقب ، والغصن الغليظ الريان سقب انتهى. والحاشيتان للمؤلف.