الحجّة قبل العطف اعتراضا للتّهمّم به ، وهو من أرقّ وجوه البلاغة كما قال (١) : [الوافر]
فإنّك إن أفتك يفتك منّي |
|
ـ فلا تسبق به ـ علق نفيس(٢) |
[٤٣ / آ] وكما قال حسّان رضياللهعنه (٣) : [البسيط]
فإنّ في حربهم فاترك عداوتهم |
|
شرّا يخاض عليه الصّاب والسّلع (٤) |
وأرى مثل هذا في آية آل عمران ، وهي قوله تعالى : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ)(٥) الآية. وقوله : (جاؤا) انصراف من المخاطبة إلى الغيبة ، كأنّه قال : جاء هؤلاء المذكورون (٦) ، فيكون النّبيّ صلىاللهعليهوسلم داخلا في الضّمير ، وهو في موضع جاءتهم بالبيّنات وبالزّبر وبالكتاب المنير ، فأقام الإخبار عن الغائب مقام الخطاب كما قال : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ)(٧) ، وفيها (٨) وجه من التّفخيم والتّعجّب ، كما أنّ المخاطب إذا استعظم الأمر رجع إلى الغيبة ؛ ليعمّ الإخبار به جميع النّاس ، وهذا موجود في الآيتين ، ومن ذلك قول النّابغة الذّبيانيّ (٩) : [البسيط]
__________________
(١) البيت في حلية المحاضرة ٥٧ ، معاهدة التّنصيص ١ / ٣٦٤ دون عزو.
(٢) العلق : النفيس من كل شيء يتعلّق به القلب.
(٣) ديوانه ٢٥٠.
(٤) الصاب والسلع : شجرمر.
(٥) سورة آل عمران : ١٨٤.
(٦) في ط : المذكورين وفيها خطأ نحوي.
(٧) سورة يونس : ٢٢.
(٨) بقية النسخ : وفيه.
(٩) ديوانه : ٢ وهو مطلع اعتذارية له.