ووفّى له بذلك وأعطاه حماة بعد أن أمّر أسندمر ـ الذي كان أميرا عليها ـ على حلب بعد موت نائبها قبجق ـ وجعله صاحبها ، سلطانا يفعل فيها ما يختار من إقطاع وغيره ليس لأحد من الدولة بمصر من نائب ووزير معه فيها حكم ، اللهم إلّا إن جرّد عسكر من مصر والشام جرّد منها ؛ وأركبه في القاهرة سنة ٧٢٠ ه بشعار الملك وأبّهة السلطنة ، ومشى الأمراء والناس في خدمته حتى الأمير سيف الدين أرغون ، ولقبه الملك الصالح ، ثم بعد قليل لقبه الملك المؤيّد (١) وعاد أبو الفداء إلى حماه بعد أن جهّزه السلطان بسائر ما يحتاج إليه (٢).
وقد صوّرت لنا المصادر أيضا تلك المنزلة الرفيعة والمكانة السامية التي نالها أبو الفداء لدى الملك الناصر ، فقد تقدّم الملك الناصر إلى نوابه : «بأن يكتب إليه ـ يقبّل الأرض وهذا لفظ يختصّ ـ كما يقول الشوكاني ، بالسلطان الأعظم (٣) ـ وكان الأمير سيف الدين تنكز رحمهالله يكتب إليه : يقبّل الأرض بالمقام الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيّدي العمادي ، وفي العنوان صاحب حماة ، ويكتب السلطان إليه (أخوه محمد بن قلاوون) أعزّ الله أيضا المقام الشريف العالي السلطاني الملكي المؤيدي العمادي بلا مولوي : (٤) وكان تاريخ التقليد في الثامن عشر من جمادى الأولى سنة ٧١٠ ه (٥).
وقد قابل أبو الفداء هذا الإكرام والتعظيم بالوفاء والولاء ، فكان يتوجه «إلى مصر في كلّ سنة بأنواع من الخيل والرقيق والجواهر وسائر الأصناف الغريبة» (٦).
وبقي أبو الفداء ملكا على حماة حتى توفي فجأة في الثالث والعشرين من
__________________
(١) الوافي بالوفيات ، ٩ / ١٧٣ والدرر الكامنة ، ١ / ٣٧١ والمنهل الصافي ، ١ / ٢٠٩ ظ والبدر الطالع ، ١ / ١٥١ ـ ١٥٢.
(٢) النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ، ٩ / ٢٩٢.
(٣) البدر الطالع ، ١ / ١٥٢.
(٤) الوافي بالوفيات ، ٩ / ١٧٣ ـ ١٧٤ والدرر الكامنة ، ١ / ٣٧٣ والنجوم الزاهرة ، ٩ / ٣٣ وكتاب السلوك ، ٢ / ٣٥٤.
(٥) المختصر ، ٤ / ٦٣.
(٦) الوافي بالوفيات ، ٩ / ١٧٤ والدرر الكامنة ، ١ / ٣٧٢.