العربية من جهة انتهاكهم لقدس من أقداس الأوضاع المحترمة لديهم ، كما أنها أو جدت بلبلة في أوساط المسلمين لأن الإسلام لم يعترض على تحريم القتال في الأشهر الحرام الذي كان سائدا في المجتمع العربي ، بل أقرّه انطلاقا من اعتباره شريعة دينية مستمدّة من الشرائع السابقة ككثير من العادات العربية الدينية التي كانت من بقايا رسالة إبراهيم عليهالسلام ، الذي كانوا يعظمونه ويحترمونه ، لا سيما قريش التي كانت ترى نفسها من ذريته.
وكان لا بد للمسلمين من أن يفهموا طبيعة الحدود التي تجاوزها هذا الفريق منهم ، ويعرفوا ما إذا كان هذا التصرف بداية لإلغاء هذا التشريع ، أو أنه يمثل تغليبا لجهة غالبة على جهة أقلّ منها مصلحة. وكان لا بد للإسلام من أن يجيب عن هذه التساؤلات ليوضح الحقيقة للمسلمين من أجل تركيز إيمانهم ، وليقف ضد حملة التشهير بالإسلام التي قادتها قريش ضده ، فكان هذا السؤال الذي أفسح القرآن المجال له في آياته (١).
* * *
القتال في الشهر الحرام
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ). فقد انطلق السؤال عن الشهر الحرام من جهة شريعة القتال فيه ، هل هو محرم كما كان أو أنه حلال في تشريع جديد؟! وكان الجواب : (قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) إنه أمر كبير في ما يمثله من انتهاك حرمة من حرمات الله ، التي أراد أن تحفظ وتصان لما يترتب عليها من المصالح العامة للأمة من خلال الحاجة إلى فترة سلام تستريح فيها من الخلافات ، وتعيش من خلالها تجربة الأمن والطمأنينة. ويضيف القرآن إلى
__________________
(١) لمزيد من التفاصيل حول مناسبة النزول ، انظر : مجمع البيان ، ج : ٢ ، ص : ٥٥١ ، والدر المنثور ، ج : ١ ، ص : ٦٠٠ ـ ٦٠٥ ، وأسباب النزول ، ص : ٣٦ ـ ٣٨.