فيها من موقع الفكرة والمعاناة ، لأنه يعتبر الإيمان بالحق مسئولية الإنسان المؤمن بالبحث عن قواعده وآفاقه ، كما أنه يجد في الفكرة الذي يحمله منطلق المسؤولية في كل قناعاته وأفكاره. أما معنى «إذن الله» في الهداية ، فلعله السنن الإلهية في أسباب الهداية وعواملها ، ممّا إذا أخذ به الإنسان اهتدى إلى الحق ، ككل سبب يحصل بحصول مسببه ، ولا ينافي ذلك الاختيار ، لأن إرادة الإنسان ووعيه وإقباله على الأخذ بهذه العوامل ، هو أحد مظاهر هذه السنن الإلهية في عالم الهداية.
وفي ضوء ذلك ، يمكننا أن نستوحي الفكرة التالية ، وهي أن استمرار الخلافات يرجع إلى ابتعاد الناس عن الأخذ بأسباب الهداية ، والتزامهم موقف التزمت والتعصب في ما يعتقدون ، وعدم إقبالهم على أجواء الحوار لمصلحة الحق ، الأمر الذي يمثل حاجزا نفسيا ضد الالتقاء بالحق ، لأنّ للحقّ دلائل وعلامات لا بد للإنسان من أن يذعن لها إذا التقى بها أو بحث عنها في الطريق. ولا يمكن للإنسان أن يدعي عدم التمكن من الوصول إليه من موقع فقدان الوسائل ، بل لا بد له من أن يبحث عن ذلك في تجميده لطاقاته عن الحركة ، وفي إغفال وعيه عن البحث والدخول في مجالات الحوار ، فقد تكفل الله بهداية الذين يتحركون في خط الهداية من خلال وسائلها الطبيعية.
* * *
مع صاحب الميزان في تفسير الاختلاف
قال صاحب الميزان في تفسير الآية : «الآية تبين السبب في أصل تشريع أصل الدين ، وتكليف النوع الإنسانيّ به ، وسبب وقوع الاختلاف فيه ببيان أن الإنسان ـ وهو نوع مفطور على الاجتماع والتعاون ـ كان في أول اجتماعه أمة واحدة ، ثم ظهر فيه ـ بحسب الفطرة ـ الاختلاف في اقتناء المزايا الحيوية ،