فاستدعى ذلك وضع قوانين ترفع الاختلافات الطارئة ، والمشاجرات في لوازم الحياة. فألبست القوانين الموضوعة لباس الدين ، وشفّعت بالتبشير والإنذار بالثواب والعقاب ، وأصلحت بالعبادات المندوبة إليها ببعث النبيين وإرسال المرسلين.
ثم اختلفوا في معارف الدين أو أمور المبدأ والمعاد ، فاختل بذلك أمر الوحدة الدينية ، وظهرت الشعوب والأحزاب. وتبع ذلك الاختلاف في غيره ، ولم يكن هذا الاختلاف الثاني إلا بغيا من الذين أوتوا الكتاب ، وظلما وعتوّا منهم بعد ما تبين لهم أصوله ومعارفه ، وتمت عليهم الحجة.
فالاختلاف اختلافان : اختلاف في أمر الدين مستند إلى بغي الباغين دون فطرتهم وغريزتهم ، واختلاف في أمر الدنيا وهو فطري وسبب لتشريع الدين. ثم هدى الله ـ سبحانه ـ المؤمنين إلى الحق المختلف فيه بإذنه» (١).
ويفسر السيد الطباطبائي الاختلاف الأول على أنه كان في شؤون الدنيا على أساس اقتناء المزايا الحيوية في ذاته ، من خلال حركة القوة والضعف التي تقود إلى الاختلاف والانحراف عما يقتضيه الاجتماع الصالح من العدل الاجتماعي ، فيستفيد القوي من الضعيف أكثر مما يفيده ، وينتفع الغالب من المغلوب من غير أن ينفعه ، ويقابله الضعيف المغلوب ما دام ضعيفا مغلوبا بالحيلة والمكيدة والخديعة ، فإذا قوي وغلب قابل ظالمة بأشد الانتقام ، فكان بروز الاختلاف مؤديا إلى الهرج والمرج وداعيا إلى هلاك الإنسانية ، وفناء النظرة وبطلان السعادة.
وخلاصة ذلك ، أن المراد من الاختلاف الأول هو الاختلاف الواقعي ، بينما يمثل الاختلاف الثاني الاختلاف الفكري أو ما يشبه ذلك ، وأن الأول تفرضه طبيعة حركة الفطرة في انفتاح الإنسان على ذاتياته ، بينما ينطلق الثاني
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٢ ، ص : ١١٣.