(الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)
(وَالْفِتْنَةُ) عن الدين ـ في نظر الإسلام ـ (أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) ، لأن القتل يعني الموت الجسدي ، بينما تمثل الفتنة عن الدين الموت الروحي الذي يفقد الإنسان معه نفسه ، ويتحول إلى عنصر ضار للحياة بدلا من أن يكون عنصرا نافعا لها ، مما يجعل من الجريمة جريمة تتصل بالجانب الشخصي للإنسان ، وبالجانب العام لحياة المجتمع كله.
وعلى ذلك الأساس أعطاها الإسلام طابع التحدي للحياة ، لأنها تحمل التحدي لكل ما تحمله الحياة التي يريدها الله للإنسان من الخير الشامل ، والمحبة المرتكزة على العدل ، والتصور الإيجابي لكل ما يواجه الإنسان من مشكلات على أساس الفكر الواقعي الإنساني المسؤول الذي لا يهرب من المشكلة بل يواجهها بشجاعة ، ولا يخضع للتاريخ بل يناقشه بمسؤولية ، ولا يتعبد للمحدود ، بشرا كان أو حجرا ، بل يتمثل فيه سر إبداع الخالق المطلق بعيدا عن كل نظرة ذاتية خاشعة للمخلوق ... وهكذا يتحرر الإنسان في أجواء الدين السمح الذي يبني للإنسان شخصيته على أساس الحرية أمام كل شيء حوله ، ليجعله عبدا لله وحده ، ويركز للحياة قواعدها على أساس العدل الذي يتجاوز الطبقية للمساواة ، والتمييز بين الناس للتنوع ، ولتوزيع الفرص على أساس الأدوار التي تحتاجها الحياة .. وفي هذا الجو ، أراد الإسلام للإنسان أن يقاتل الذين يحاربون فيه هذا التوجه الحر للحياة وهذه الحرية الخاشعة في محراب عبوديتها لله. ولا يعتبر الإسلام مثل هذا القتال عدوانا على الآخرين ، بل دفاعا عن الإنسان والحياة ضد الذين يريدون قتل إنسانية الحياة في الإنسان.
وإذا كانت الفتنة ـ وهي الصد عن الدين ـ تتمثل بالضغط النفسي ،