وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) هذا استثناء من جواز الجماع والمباشرة في ليل الصوم ، فإنه لا يجوز للإنسان المعتكف في المسجد أن يمارس ذلك ، سواء كان ذلك في شهر رمضان أو في غيره. والاعتكاف عبادة خاصة ، يحبس الإنسان فيها نفسه في المسجد للعبادة ، فلا يخرج إلا لضرورة. ومن شروطها الصوم ، والاستمرار فيها ثلاثة أيام. وأحكامها مذكورة في كتب الفقه.
* * *
لا تقربوا حدود الله
(تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) إن في هذه الاية إشارة إلى أن المحرمات هي حدود الله التي يجب أن يقف الناس عندها فلا يقربوها بممارستها والإقبال عليها ، وربما كان المقصود بحدود الله هي شرائعه في ما أحل وفي ما حرّم ، فتكون الاية كناية عن الوقوف عند الحاجز بين الحلال والحرام ، لئلا يصل الإنسان إلى الانتهاك للمحرمات كما ورد في بعض الكلمات المأثورة : «المحرمات حمى الله ، فمن حام حول الحمى أو شك أن يرتع فيه».
وربما كان التعبير بكلمة : (فَلا تَقْرَبُوها) بدلا من «ولا تتعدّوها» للإيحاء بعدم الاكتفاء بتركها بل بالابتعاد عنها. قال الزمخشري في الكشاف : «فإن قلت : كيف قيل : (فَلا تَقْرَبُوها) مع قوله : (فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ)؟! قلت : من كان في طاعة الله والعمل بشرائعه فهو متصرف في حيّز الحق ، فنهى أن يتعداه لأن من تعداه وقع في حيّز الباطل ، ثم بولغ في ذلك فنهى أن يقرب الحد الذي هو الحاجز بين حيّزي الحق والباطل لئلا يداني الباطل ، وأن يكون في الواسطة متباعدا عن الطرف فضلا عن أن يتخطّاه» (١).
__________________
(١) تفسير الكشاف ، ج : ١ ، ص : ٣٤٠.