ويتحرك حيث يريد الله منه أن يتحرك. فإن الإنسان الذي لا يعيش حس التقوى في نفسه ، قد ينجرف أمام نوازع النفس الذاتية التي توحي بالعصبية والانتقام والتشفي والحقد ، وغير ذلك مما يجعل الإنسان يأخذ أكثر مما له من الحق أو يعطي أقل ما عليه من الحق ... ثم حددت للمؤمنين الموقع الذي يحصلون عليه مع التقوى (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ، فإن الله مع المتقين الذين يخشون ربهم بالغيب ويراقبونه في كل صغيرة أو كبيرة في السر والعلانية.
* * *
الإنفاق في سبيل الله وحفظ النفس
ثم انطلق القرآن في مجال آخر يتصل بأجواء القتال والجهاد في سبيل الله ، وهو الإنفاق في هذا السبيل ، فإن للجهاد تكاليفه ونفقاته المالية التي يحتاجها المقاتلون في ما يأكلون وما يركبون وما يتسلحون به ضد العدو ، فلا بد من الجهاد بالمال مع الجهاد بالنفس. (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : أنفقوا من أموالكم في الجهاد وطريق الدين ، وكل ما أمر به من الخير وأبواب البر ، فهو سبيل الله ، لأن السبيل هو الطريق ، فسبيل الله هو الطريق إلى الله وإلى رحمته. وعقب ذلك بالنهي عن إلقاء الإنسان نفسه بالتهلكة (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) أي : بأنفسكم. وجاء التعبير باليد ، باعتبار أنها مظهر القوة للذات. فكأن الإنسان عند ما يلقي بنفسه إلى التهلكة يسقط قوته التي تتمظهر في يديه. وهذا التوجيه يتناول المجالات الفردية أو الجماعية التي يعرّض فيها نفسه للخطر ، من دون أن يكون هناك أيّ تكليف ملزم من الله بالتضحية والاستشهاد ، وذلك بأن يندفع الإنسان في المواقف التي لا يضمن فيها السلامة بنحو معقول على المستوى الفردي ، أو تندفع الجماعة في المواقف الصداميّة مع الأعداء ، من دون إعداد سابق للخطة الحكيمة التي تضمن تحقيق الأهداف الكبيرة ، فإن