القتال في الشهر الحرام
كان الحديث في الآية المتقدمة حول القتال في المسجد الحرام الذي كان المسلمون يتحرجون منه ، فأباحه الله لهم دفاعا عن النفس. وفي هذه الآية يتحدث الله عن القتال في الشهر الحرام الذي كان المسلمون لا يجرءون على القتال فيه احتراما لحرمته ، فأباح الله لهم ذلك على أساس المقابلة بالمثل ، في الوقت الذي لا يملك الإنسان فيه أي خيار ، لأن القضية قضية حياة أو موت بالنسبة للأمة وللرسالة. وهذا هو قوله تعالى : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ).
وإذا كانت قريش قد انتهكت حرمة هذا الشهر ، فلم يحترموا حق الإنسان فيه بالسلام ، فللمسلمين الحق في أن لا يحترموهم فيه. وعقب على ذلك بقوله : (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) ، فلكل إنسان الحق في أن يقتص لحرمة ما انتهكه الآخرون منه ، وذلك بانتهاك حرمتهم. وأوضح الفكرة بأن من حق المعتدى عليه أن يرد العدوان بمثله ، فلا يتجاوزه إلى أكثر من ذلك التزاما بخط العدل الذي يتركز على المماثلة في العقاب : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) أي : عاملوه بالمثل ، جواز لا إلزاما. ولا بد من أن يلاحظ أن ردّ الاعتداء ليس اعتداء ، لأنه من حق المعتدى عليه ، ولكنه سماه باسمه ، لأنه مجازاة اعتداء ، باعتبار أنه مثله في الجنس وفي المقدار ، ولأنه ضرر كما أن ذلك ضرر ، والمماثلة تقتضي عدم تجاوز حجم العدوان وطبيعته.
(وَاتَّقُوا اللهَ) ثم أمر بالتقوى تدليلا على أن الوقوف أمام حدود الله والالتزام بالخط الفاصل بين العدل والظلم يرتكز على أساس التقوى الداخلية ، التي يشعر الإنسان معها بالمسؤولية الدائمة أمام الله في كل مواقفة العامة والخاصة ، في ما له من الحق وما عليه ، فيقف حيث يريد الله منه أن يقف ،