عن الخمر والميسر ، وهما من العادات المتأصلة الجذور في حياة الناس آنذاك ، مما يجعل من تحريمهما ، أو الاتجاه نحوه ، مشكلة اجتماعية صعبة. وكانوا يعتقدون ، أو يخيّل إليهم ، أن التحريم لا يخضع لمصلحة الناس الحياتية ، لأن شرب الخمر يخفف كثيرا من أثقال النفس وهمومها ، ويبعد بها عن أجزائها وواقعها السّيئ. وربما يجدون في أنفسهم بعض الحاجة إلى الهروب من الواقع المرير إلى واقع لا أثر فيه للمرارة أو للمشاكل ، تماما كما هو النوم في حياة الإنسان ، حيث تستريح فيه الأعصاب ، ويهدأ معه الفكر ، وتتجدد فيه القوى.
* * *
طريقة القرآن في إثارة القضايا
وحاول القرآن الكريم ـ في جوابه عن ذلك ـ أن لا يتنكر لهذه التصورات ، ولا يتعسّف في توجيه الحكم الشرعي إليهم ، فبدأ بإثارة الجوانب السلبية بإزاء الجوانب الإيجابية ليفكروا فيها بهدوء ، ليتحقق لهم التوازن في تصورهم للأشياء وحكمهم عليها ، لأن ذلك هو السبيل القويم في سلامة المعرفة من الانحراف تحت ضغط العادة أو المنفعة أو الشهوة ، وذلك هو قوله تعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) [المائدة : ٤٩] فإنه يضع أمامهم التأثيرات السلبية في الحياة الاجتماعية العامة والخاصة ، وفي الحياة الروحية التي يعيش فيها الناس مع الله في لحظة العبادة والتأمل ، لأن الخمر يذهب بالعقل ، فيتصرف الإنسان ـ معها ـ بفعل الغريزة التي تجمع الأحقاد وتفجرها في طريقة لا شعورية ،