معه الشعور بالفواصل التي تفصله عن الله بما تمثله علاقة العبد بالسيد ، أو علاقة المخلوق بخالقه ، بل هو الجو الذي يحس فيه بالانفتاح والامتداد في أجواء المطلق. وتلك هي السعادة ، كل السعادة ، والروحية الفياضة بالنور والعطر والحياة.
إنها عبادة الإنسان التي تتحرك معها حياته كلها بين يدي الله ، في شعور بالمحبة الذاتية الخالصة التي لا يعرف روعتها إلا المخلصون من عباد الله.
وقد ورد عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الدعاء مخ العبادة» (١) ، وعنه أيضا : «الدعاء هو العبادة» (٢).
* * *
ملاحظات بخصوص الدعاء
ربما تثار أمام الدعاء عدة ملاحظات : أولها ما أثاره اليهود حين قالوا : إن الله لما خلق الأشياء وقدّر التقادير تمّ الأمر ، وخرج زمام التصرف الجديد من يده بما حتّمه من القضاء ، فلا نسخ ولا بداء ولا استجابة لدعاء لأن الأمر مفروغ عنه (٣).
وقد عبّروا عن هذه الفكرة في الدعاء بأسلوب الاستدلال ، فقالوا ـ في ما نقل عنهم ـ «إن الحاجة المدعوّ لها إما أن تكون مقضيّة مقدّرة أولا ، وهي على الأول واجبة ، وإن لم تكن كذلك فهي ممتنعة. وعلى أي حال لا معنى لتأثير الدعاء. والجواب عن ذلك أن التقدير الإلهي للأشياء لا يعني تحقق
__________________
(١) البحار ، م : ٣٢ ، ج : ٩٠ ، ص : ٤١٦ ، باب : ١٦ ، رواية : ٣٧.
(٢) م. ن ، م : ٣٢ ، ج : ٩٠ ، ص : ٤١٦ ، باب : ١٦ ، رواية : ٣٧.
(٣) تفسير الميزان ، ج : ٢ ، ص : ٣٣.