وقفة أمام مفهوم النصر القريب
وقد نحتاج إلى أن نقف بعض الوقفات أمام مفهوم النصر القريب الذي تتحدث عنه الآية ، هل هو النصر الكامل الذي يستقطب كل جوانب الموقف ، أو هو النصر الذي تسمح به الظروف الموضوعية المتوفرة في الساحة ، ولو كان ذلك في مستوى المرحلة؟! قد لا نستطيع استيحاء المعنى الدقيق لذلك من الآية نفسها ، لأننا لا نعرف طبيعة النصر الذي كان ينشده الرسول والمؤمنون ، هل هو نصر الغلبة ليتمثل في هزيمة الكافرين أمام المؤمنين في موقع الصراع بين قوة الكفر وقوة الإيمان ؛ أو هو النصر بإنزال العذاب على الكافرين ليتمثل في زوالهم عن الساحة بواسطة العذاب المتنزل عليهم من الله؟! وربما كان المعنى الثاني هو الأقرب ، لأن ذلك هو شأن الأمم التي كانت تكفر بالله ، وتتحدى رسله ، وتسخر برسالاته ، وتتنكّر لها ، فيرسل الله عليها العذاب في نهاية الأمر ، كما فعله في قوم صالح وهود ولوط وشعيب عليهمالسلام وغيرهم ، وبذلك يكون النصر قائما على أساس الانتقام من القوم الكافرين. وهناك عدة شواهد على إطلاق كلمة النصر على حالة العذاب الذي ينزله الله على الكافرين انتصارا لمن كذب من الأنبياء. وفي ضوء ذلك ، يكون المراد من قرب النصر ، القرب الزماني الذي طال انتظاره عليهم.
وربما يكون النصر المراد نصر الغلبة ، لما قد توحيه من وجود قوة متحفزة للصراع ، في ما توحيه كلمة : (الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) ، وفي هذه الحال يمكن أن يكون القرب في النصر خاضعا للجانب المرحلي في نطاق النصر الجزئي ، الذي قد يتمثل في زيادة قوة المؤمنين من خلال الفئات التي تدخل في الإيمان ، أو في هزيمة بعض المواقع القوية للكافرين أمام المؤمنين ، أو في غير ذلك من الموارد. وليس من الضروري أن يكون النصر حاسما كليا ،