وتلبيهم في نداءاتهم ، وتستجيب لهم في مناجاتهم من دون وسيط أو شفيع ، بل هي الكلمات التي تنطلق من القلب لترتفع إلى السماء حيث المحبة والرحمة والعفو والمغفرة.
إنها دعوة الله إلى عبده أن يستجيب له ، فيدعوه لأن في ذلك خلاصا له من كل سوء أو شدة ، وتحررا عن كل عبودية لغير الله عند ما يشعر أن الله هو وليّ حاجته ، فمنه الفرج لكل شدة ، وبه الخلاص من كل سوء ، وهو ـ لا غيره ـ مالك الدنيا والاخرة ، ووليّ الحياة والموت ، وبيده مقاليد الأمور ، وذلك هو سبيله الى الشعور بالأمن والطمأنينة والاستقرار ، حين يشعر بأن حاجاته الصعبة هي في دائرة رحمة القادر على قضائها والعالم بما يصلحه أو يفسده منها ... وهي في الوقت نفسه دعوة إلى الإيمان به ، لأنه الحقيقة الواضحة التي لا يحتاج الإنسان في وعيها ، وفي الإيمان بها ، إلى مزيد من الفكر والتأمل والمعاناة ، بل يلتقي بها في كل شيء يعيش معه ، وفي كل ظاهرة من ظواهر الوجود. وفي الحالين معا ، في الدعاء عند ما ينطلق ، وفي الإيمان عند ما يتحرك الرشد ـ كل الرشد ـ في واقع الحياة وفي حركتها الصاعدة أبدا إلى الله.
* * *
الدعاء عبادة
والدعاء ـ بعد ذلك كله ـ عبادة تهزّ أعماق الإنسان بالشعور بوجود الله وحضوره في كل ملتقى للإنسان في ما يهمه من أمور الحياة ، وفي ما يثيره من شؤون الاخرة. وهي عبادة لا تفرض عليه كلماتها وأجواؤها من خارج ذاته ، من خلال تعليمات مفروضة ، بل هي مشاعره وأفكاره وحاجاته وآلامه وآماله وكلماته المنطلقة من ذاته في أسلوب عفوي محبب في جو حميم يفقد