مقارنة بين حياته في داخل أجواء الضلال وبين حياته في أجواء الهدى ، ليعرف نعمة الهدى من مواقع حياته الطبيعية لا من مواقع الفكر والنظرية فحسب.
* * *
إلغاء النوازع الطبقية
(ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) يقال : إن قريش كانت لا تفيض من حيث يفيض النّاس ، لأنها تشعر بموقعها المميز الذي يختلف عن مواقع الناس من حيث العلو والرفعة والكبرياء ، فكانت لا تقف بعرفات. وقد جاء في ما رواه ابن جرير الطبري عن ابن عباس : «كانت العرب تقف بعرفة ، وكانت قريش تقف دون ذلك بالمزدلفة ، فأنزل الله : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) (١).
لقد جاءت هذه الآية لتلغي من نفوسهم كل هذه النوازع الطبقية التي تدفعهم إلى الاستعلاء على الآخرين ، لا سيما في مثل هذا الموقف الذي أراده الله من أجل إلغاء كل الفوارق التي تميزهم عن بعضهم البعض ، ليشعروا بالصفة الواحدة التي تجمعهم أمام الله ، وهي أنهم عباد الله الواحد الأحد ؛ فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى ، فلا معنى ـ بعد ذلك ـ لأن يميز أحد نفسه عن أخيه في موقع أو في ظرف انطلاقا من الشعور بالتفوق والكبرياء.
وهناك تفسير آخر للآية : وهو «أن المراد به الإفاضة من المزدلفة إلى منى يوم النحر قبل طلوع الشمس للرمي والنحر عن الجبائي قال : والآية تدل عليه ، لأنه قال : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) ثم قال : (ثُمَّ أَفِيضُوا) ،
__________________
(١) الطبري ، ابن جرير ، جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، دار الفكر ، ١٤١٥ ه ـ ١٩٩٥ م ، ج : ٢ ، ص : ٣٩٩.