ذلك : (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وربما كان ذلك إشارة إلى بعض أشهر الحج التي كان يريد للناس أن يمارسوا شعائر الحج فيها ، من أجل الرجوع إليه في هذه العبادة التي تفتح قلوبهم على معنى الخير وإرادته ، وإلى شهر رجب الذي أراد الله للناس أن يعتمروا فيه فيرجع إليه المذنب ، ويلجأ إليه الخائف في طريق التوبة والإيمان. فكأن الله يحب للناس أن يحافظوا على حرية الوصول إلى المسجد الحرام من أجل تحقيق المعاني الروحية والاجتماعية التي تحصل لهم من خلال الحج والعمرة ، وبذلك يكون القتال صدا عن سبيل الله وكفرا به وبالمسجد الحرام في ما يقتضيه من الانحراف عن خط الله. وقد يعبر الله عن الانحراف العملي بالكفر حيث إن الإيمان الذي لا يتمثل في العمل يعتبر بمنزلة الكفر ، كما جاء في قوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) [آل عمران : ٩٧] وبهذا المعنى جاءت الأحاديث التي تسمى تارك الصلاة كافرا.
* * *
(الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)
ثم تدخل الآية في عملية مقارنة بين ما حدث من القتال في الشهر الحرام ، وبين ما قامت به قريش من إخراج أهل المسجد الحرام منه وفتنتهم عن دين الله بكل ما يملكون من وسائل الضغط والتهديد : (وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ) فإن ما قام به المسلمون على سبيل الخطأ كان اعتداء على حرمة زمن ما ، بينما كانت قريش تعتدي على حرمة المؤمنين وتخرجهم من مكة التي هي بلدهم بمختلف وسائل الضغط الجسدي والمعنوي الموجهة إليهم ،