وتحارب الله في دينه فتفتن المؤمنين عنه ، وتمنعهم من السير في طريق الله. ثم تتحدث الآية عن خطورة ما تقوم به قريش ، وتعتبر أنه أكبر من القتل الذي قام به المسلمون في الشهر الحرام : (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) ، لأن ذلك يمثل الاعتداء على حرية الدين الذي يريد الله أن تحفظ وتحترم ، وعلى حرية الإنسان في السير في خط الله دون ضغط ، وبذلك يكون اعتداء على الحياة في ما يمثله الدين من حماية لها ورفع لمستواها ، فلا يقاس به القتال في الشهر الحرام الذي لم ينطلق من جانب ذاتي ، بل انطلق من محاولة لحماية المسيرة التي بدأها الإسلام في مكة ، ووقفت قريش حاجزا بينها وبين الامتداد ، فكان القتال ردا للعدوان بشكل غير مباشر وليس عدوانا ابتدائيا.
ثم تتوجه الآية إلى المسلمين لتعرفهم طبيعة الصراع الذي يدور بينهم وبين قريش ، فليس هو صراعا تفرضه الخلافات الطارئة التي تحدث بين الناس في المجتمع العربي ، على طريقة الخلافات العشائرية الخاضعة لمصالح خاصة ، ليكون لها فترة معينة وتسوية خاصة ، بل هو صراع على العقيدة التوحيدية التي تمثل خطأ ممتدا في الحياة ، يختلف اختلافا كبيرا عن عقيدة الشرك التي تمثل خطأ مباينا لا مجال للالتقاء به في أية مرحلة من مراحل الطريق ، ولذا كان الموقف حاسما لا يخضع لأنصاف الحلول.
وهذا ما فهمته قريش من واقع هذا الصراع ، وهذا ما يجب أن يفهمه المسلمون في ما يستقبلون من قضايا الصراع ، فإن قريشا ، وكل قوى الشرك والكفر ، لن تهدأ ولن تستريح إلا بعد أن يتم القضاء على الإسلام بالقضاء على المسلمين أو على العقيدة في داخلهم ، وهذا ما عبرت عنه الآية الكريمة في قوله تعالى : (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا). وبذلك كان القتال مفروضا على المسلمين ، وكانت الساحة مفتوحة على مستوى الزمان والمكان ، فلا خيار لهم في التوقف ، بل لا بد لهم من أن يتحركوا على كل المحاور والاتجاهات والأوقات ، وإن أدى ذلك إلى اختراق حرمة الشهر