(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ)
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) أي : فرض الله عليكم القتال في فريضة الجهاد في سبيل الله ، بعد أن منعكم منه مدة من الزمن في مرحلة قاسية كانت مصلحة الدعوة فيها الأخذ بأسباب الصبر ، والدفع بالكلمة الطيبة ، والبعد عن ردّ التحدي بمثله حتى يمتد الإسلام في ساحته ، ويستعد لتركيز قواعده في موقع قوة جديد ، بحيث لا يملك الآخرون إسقاطه بقوتهم ، لأنّه يملك آنذاك قوة الرد في ساحة المجابهة ، (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) من خلال الطبيعة الإنسانية التي لا تنسجم مع كل الأعمال الشاقة أو الخطرة التي قد تؤدي إلى الألم أو الجرح أو الموت. فإن الإنسان مفطور على حب الراحة والحياة ، فيكره ـ بطبيعته ـ كل ما يسلبه ذلك.
وفي ضوء ذلك ، فإن هذه الكراهة الذاتية لا تتنافى مع رغبة المؤمنين بالجهاد طلبا لمرضاة الله ، وطمعا في الحصول على ثوابه ، لأن الإنسان يرغب في الأعمال الشاقة ، أو الأسفار الخطرة ، أو نحو ذلك ، من أجل تحصيل المزيد من المال أو الجاه أو السلطة ، أو القرب من الله تغليبا للمصلحة الراجحة أو الملزمة على المفسدة المرجوحة أو غير الملزمة. (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) من خلال بعض المشاكل التي يثيرها في حياتكم كالمخاطرة بالروح في الجهاد ، والمشقة في السفر في التجارة ، والسهر في الليل لطلب العلم ، (وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لما يترتب عليه من النتائج الكبيرة المتصلة بالدرجات الرفيعة التي تبلغونها في الأخذ بما تكرهونه. فإن الجهاد يضع المؤمنين بين خيارين كلاهما خير : إما النصر ، الذي يؤدي إلى الكثير من امتداد الإسلام في حركة الإنسان في الحياة وسيطرته على الواقع مما يجعل المسلمين في الموقع الكبير في الناس ، وإما الشهادة التي ترفع درجة المؤمنين عند الله ، فيحصلون ـ من