مناسبة النزول
جاء في المجمع : إن الآية : «نزلت في جماعة من الصحابة أتوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا : أفتنا في الخمر والميسر ، فإنها مذهبة للعقل ، مسلبة للمال ، فنزلت الآية» (١).
قد نستوحي من هذه الرواية أن التحريم لم يكن واردا في التشريع ـ آنذاك ـ وأنهم كانوا يعيشون في وجدانهم الشرعي أجواء التحريم من خلال طبيعة النتائج السلبية التي يعرفونها في الخمر والميسر مما يختزنانه من فساد للعقل والمال ، وذلك من جهة ما عرفوه من دروس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في ما كانوا يسمعونه منه من آيات الله وأحاديثه ، أن الله يريد بالناس الخير في تشريعاته الإلزامية على أساس المصالح والمفاسد الكامنة في الأفعال ، فهم يتحسسون حرمة الأشياء المضرة في وجدانهم الديني ، فيتطلعون إلى النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم سائلين عن الحرام في هذا أو ذاك.
وهناك رواية في الكافي توحي بأن تحريم الخمر بشكل صريح حاسم سابق على هذه الآية ، فقد جاء عن علي بن يقطين ، قال : سأل المهدي أبا الحسن ـ موسى الكاظم» عليهالسلام ـ عن الخمر : هل هي محرمة في كتاب الله ـ عزوجل ـ فإن الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها؟ فقال له أبو الحسن عليهالسلام : بل هي محرّمة في كتاب الله عزوجل يا أمير المؤمنين. فقال له: في أي موضع هي محرمة في كتاب الله جل اسمه يا أبا الحسن؟ فقال : قول الله عزوجل : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ) [الأعراف : ٣٣] ... إلى أن قال : وأما الإثم ، فإنها
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٢ ، ص : ٥٥٧.