ويذمونه على ذلك ، ويعتبرونه سفيها ، ولهذا يحجرون على أموال السفيه وعلى تصرفاته العقدية ، لأنه لا يدرك الفاصل بين المضار والنفع ، ولا يتحرك في اتجاه اختيار النفع على الضرر.
وفي ضوء ذلك ، نستفيد من هذه الفقرة ، أن الله ، سبحانه ، أراد بيان التحريم بهذه الطريقة ، انطلاقا من الارتكاز العقلائي الذي يتحرك تلقائيا لتقرير النتيجة من خلال هذه القاعدة بتحريم ما يتمثل فيه ذلك في حركة الواقع أو في خصائصه الذاتية.
* * *
وقفة مع آراء المفسرين في هذه الآية
وقد ذكر بعض المفسرين ، في ما نقله العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان ، أن آية البقرة ما كانت صريحة في الحرمة. فإن قوله تعالى : (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) لا يدل على أزيد من أن فيه إثما. والإثم الضرر. وتحريم كل ضار لا يدل على تحريم ما فيه مضرة من جهة ومنفعة من جهة أخرى ، ولذلك كانت هذه الآية موضعا لاجتهاد الصحابة ، فترك الخمر بعضهم وأصرّ على شربها آخرون ، كأنهم رأوا أنهم يتيسر لهم أن ينتفعوا بها مع اجتناب ضررها. فكان ذلك تمهيدا للقطع بتحريمها ، فنزل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [المائدة : ٩٠ ـ ٩٤] إلى قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ