أو المكان ، لأن حرية الدين في التحرك وفي حماية نفسه لا تحتمل المساومة والاسترخاء والوقوف عند أي حاجز من الحواجز المطروحة في الطريق في غير هذا المجال.
* * *
الارتداد يحبط الأعمال
ثم تتوجه الآية إلى المسلمين الذين قد يستسلمون للضعف أمام الضغط الهائل الذي تمثله قوى الشرك ، فيرتدون عن دينهم ، فتعرفهم خطورة الارتداد في حساب المصير ، تبعا لأهمية الإيمان بالله في حياة الإنسان في الدنيا والآخرة : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) فتقرر الآية ـ في هذا الجو ـ أن الإنسان الذي يموت كافرا في خط الارتداد يسقط من حساب الله في كل المجالات ، لأن قيمة أي عمل من أعمال الإنسان تتحدد بالانطلاق به من خلال الإيمان بالله ، فلا قيمة لأي عمل لا ينطلق من تلك القاعدة. ولذا فإن الارتداد يحبط أعمال الإنسان في الدنيا والآخرة ، ويؤدي به إلى الخلود في النار. وعلى ضوء ذلك ، كان الإسلام يلغي كل الأعمال السيئة المتقدمة عليه ، كما ورد «أن الإسلام يجبّ ما قبله» (١) ، وكان الكفر يلغي كل الأعمال الصالحة المتقدمة عليه ، لأن الإسلام يتعامل مع الأعمال من موقع القاعدة التي ينطلق منها العمل لا من موقع العمل نفسه ، لأن القاعدة الفكرية هي التي تعطي العمل معناه الإيجابي أو السلبي في خط الاستقامة والانحراف. وفي هذا الإطار ، يحدد القرآن الموقف للاتجاه المعاكس لخط الكفر والارتداد ، وهو خط
__________________
(١) راجع : البحار ، م : ٨ ، ج : ٢١ ، ص : ٨٠ ، باب : ٢٦ ، رواية : ٨.