من البغي الذي يختلف فيه الناس حول الكتاب.
ونلاحظ على ذلك ، أن اختلاف الناس في الواقع في موازين القوة والضعف لم يكن منطلقا من الغريزة العمياء ، بل من القيم المتفق عليها في ما بينهم ، والمفاهيم المزروعة في داخلهم ، الناشئة من الضبابية الفكرية في إيحاءات الفطرة ، ومن التنوع في التجربة الإنسانية في هذا الموقع أو ذاك. فهناك فريق من الناس يتحرك في حياته من ناحية القيمة الأخلاقية القائمة على احترام الإنسان وحقه في الحياة وفي الحصول على النتائج الإيجابية من خلال جهده ، وهناك فريق آخر يرى ضرورة حصول الناس على النتائج الإيجابية أو السلبية بشكل متساو وإن كان جهدهم مختلفا ، وهناك الناس الذين لا يؤمنون بالله أو يشركون بعبادته غيره ، وهناك الناس الذين يلتزمون الخط الإيماني التوحيدي.
وهذا ما لاحظناه في قصة قابيل وهابيل التي سبقت عهد النبوات الكتابية ، التي يمكن أن تكون نبوّة نوح هي البداية لها ، وذلك من خلال قوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) [الشورى : ١٣]. فقد نلاحظ أن هابيل كان يحمل الفكرة الإيمانية المنفتحة على احترام حياة الآخرين وإن أساؤوا إليه في وداعة الروح وسماحة الوجدان ، بينما نجد أن قابيل يمثل الإنسان العدواني الذي لا ينظر إلى الأشياء نظرة متوازنة ، بل ينظر إليها من ناحية ذاته ، لأن القيمة عنده هي قيمة الذات ، فهو لا يريد لأخيه أن يتميز عنه ولو كان الأمر بعيدا عن اختياره لارتباطه بالله في تمييزه عن أخيه.
وهذا هو قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ـ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ