تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) [المائدة : ٢٧ ـ ٣١].
فإننا نستوحي من هذه الآيات أن قابيل وهابيل كانا يعيشان معا المفاهيم الأخلاقية التي تدفعهما إلى احترام الإنسان في كل واحد منهما من قبل الآخر ، ولكن قابيل عاش الصدمة القاسية في عدم قبول قربانه الذي لم يكن لأخيه يد فيه ، ولكن الحسد القاتل دفعه إلى البغي على أخيه فقتله بغيا وحسدا ، تماما كما هي المسألة في الذين اختلفوا (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) فليس هناك فرق بين الأولين والآخرين في هذه المسألة ، لا سيما إذا عرفنا أن آدم الذي كان في موقع النبوّة ـ على الرأي المشهور ـ لا بد من أن يكون قد بلّغ أولاده العناوين الكبرى للقيم الروحية الأخلاقية التي تمثل الخط الإلهي الذي يقود إلى رضوانه ويؤدي إلى دخول جنته ، لا سيما بعد التجربة الصعبة التي خاضها مع إبليس في إخراجه من الجنة وإنزاله إلى الأرض ، وإعلان الله له ولزوجه ولإبليس في قوله تعالى : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [البقرة : ٣٨ ـ ٣٩].
فإننا نفهم ، من هاتين الآيتين أن الله تحدث لآدم وحواء عن النتائج الإيجابية أو السلبية التي يحصل عليها المؤمنون والكافرون في دخول الجنة للمهتدين ودخول النار للضالين الكافرين ، الأمر الذي يوحي بأن آدم قد عاش المسؤولية المنفتحة على البرنامج العملي الذي لا بد من أن يأخذ به في سلوكه المستقبلي في الدنيا مع ذريته ، ومن الطبيعي أن يكون قد تلقى من ربه كلمات وكلمات تحدّد له الخط المستقيم حتى لا يعيش التجربة الضائعة من جديد في