آخر ، وهو الحديث عن فوائد هذا الاختلاف ، لأنه يحدد للناس مواقيتهم ومواعيدهم في ما يحتاجون إليه من تحديد الوقت في قضاياهم العامة والخاصة ، ولا سيما في موضوع الحج الذي له موعد خاص ـ وقد ركز عليه لأهميته عندهم ـ وقال بعض المفسرين في التعليق على ذلك : إنهم لم يكونوا في مجال الاستفادة من المعرفة الفلكية ، مما يجعل الدخول في ذلك اقتحاما في عملية لا تتسع لها أفكارهم من جهة ، ولا تخدم حياتهم من جهة أخرى ، ولهذا أعرض عن الجواب حول الموضوع ، لينتقل إلى السؤال عن فوائد ذلك وحكمته في الحياة ، من حيث إنها تضبط لهم مواقيتهم في أعمالهم ، وتحدد لهم وقت الحج بالخصوص في الوقت الذي تتميز فيه عن الشهور الشمسية بسهولة تناول التاريخ القمري لكل الناس ، لأنه لا يحتاج إلا إلى النظر والملاحظة ، بينما يتوقف التاريخ الشمسي على الحساب ، فلا يعرفه إلا الحاسبون. ويعقبون على ذلك بأن من مهمة الموجّه والمرشد أن لا يجيب عن كل الأسئلة ، لأن بعضها لا يتصل بحياة الناس بالمستوى الكبير ، بل ينبغي له أن يوجههم إلى القضايا المهمة التي يجب أن يسألوا عنها ليستفيدوا منها بشكل مباشر ، وفي ضوء ذلك كان تفسيرهم للتعقيب القرآني اللاحق للجواب : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فقد ذكروا أنه دعوة إلى أن يواجه الإنسان القضايا من أبوابها ولا يواجهها من ظهورها ، بالأسلوب الكنائي الذي عبر فيه عن ذلك بالبيوت.
وقد انطلق هؤلاء المفسرون في هذه الاستفادة من الاية إلى ما روي «أن معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم (١) الأنصاري قالا : يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يمتلئ ويستوي ، ثم لا يزال ينقص حتى
__________________
(١) كذا ورد ، وفي الرواية الأولى في أسباب النزول ورد : وثعلبة بن عنمة.