زغت فقوموني) (١) ويترأس عليه من يقول : (كل الناس افقه من عمر حتى ربات الحجال) (٢) وكل ذا رواه المذكور ولا شك ان الشبهات اغشت افهامهم ، والفتنة اعمت قلوبهم كما قيل : الفتنة اذا اقبلت اعمت عين البصير ، فان قيل : ان الحديث دال على ان النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) اخفى ذلك القول في علي خوفا من القول بالغلو فيه مع ان هذا القول بالغلو فيه قد حصل ، فذهب قوم الى القول بربوبيته وهم الغلاة عليهم لعاين الله وقريب منهم المفوضة ، فما خاف منه النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) قد وقع؟ :
قلت : ان الحديث دال على ان النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لم يخف من ابداء ذلك المقال في علي (عليهالسلام) ذهاب قوم قليلين من الأمة الى الغلو فيه ، وانما خاف من ذهاب معظم الأمة الى ذلك ، الا تراه يقول : (لو لا ان تقول طوائف الأمة من امتي) ولم يقل طائفة ولا قوم ، ومن البين ان الغلاة اقل طوائف الأمة فما وقع لم يخفه النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وما خافه واخفى لخوفه ذلك المقال لم يقع ، وكيف يريد النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) الخوف من حدوث هذا القول مطلقا وهو يقول لعلي (عليهالسلام) : (يهلك فيك اثنان محب غال وعدو قال) (٣) وغيره مما يشبهه فاخبر ان قوما يغلون فيه ، كما اخبر ان قوما سيعادونه ، فمراد النبي (صلى الله
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ١٧ / ١٥٨.
(٢) نفس المصدر ١ / ١٨٢ ، وسبب هذا القول انه نهى الناس عن زيادة مهور النساء على أربعمائة درهم وان كل زيادة على ذلك يردها الى بيت المال فهابه الناس ان يردوا عليه فقامت إليه امرأة فقالت : الله يعطينا وانت تمنعنا وتلت قوله تعالى : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) فقال : (كل الناس افقه من عمر) انظر تفسير القرطبي ٥ / ٩٩ وتفسير الخازن ١ / ٣٥٣.
(٣) هذا الحديث مشهور بل متواتر عنه (صلىاللهعليهوآلهوسلم).