قبيحا لعلمه بوجوده وعدم معرفته بعينه وتصوره ان انكاره فعل القبيح لا ينفعه اذا ظهر ذلك الحاكم لاطلاعه عليه بخلاف ما اذا علم خلو القرية منه ولم يبق الا علمه بامكان وجوده فيما بعد فانه لا يرتدع عن القبيح لذلك لتمكنه من الانكار عند وجود ذلك الحاكم وهذا ظاهر عند العقلاء فاللطف يحصل بما فرضناه دون ما فرضه للفرق الظاهر بين الحالين.
الثالث : ان ما ذكره لا يتمشى على قواعدهم لأن نصب الامام عندهم ليس من الله بل من المكلفين فلا امام على قولهم يترقب نصبه من الله فلا لطف حاصل بالمرة ، وقد علم من هذا ان اللطف منحصر في وجود الامام وان العلم بامكان ايجاده لا يقوم مقام وجوده فثبت ان وجوده لطف فهو واجب في حكمة الله ووضح سلامة الدليل من الخدش فيه ، كل هذا مع ما في كلامه من التدافع فانه فيما مر عليك من قوله ابطل لطفية الامام بخوف المكلف منه في اداء الطاعة فمقتضى كلامه هناك ان الامام لا يكون لطفا اذا كان متمكنا من ردع العاصين ومعاقبة الجانين فيكون لطفية مشروطة بعدم تصرفه ثم هو هنا يقول ان الامام لا يكون لطفا الا اذا كان متصرفا قاهرا زاجرا عن القبيح ، فما جعله هنا شرطا في كون الامام لطفا جعل ضده هناك شرطا في ذلك ، وهذا تناقض واضح فيكفي في بطلان قوليه تضادهما وتنافيهما.
الثالث (١) : من ادلتنا انه لا شك ان الله تعالى انظر لخلقه منهم لأنفسهم وأرأف بهم وأرحم بهم منهم على انفسهم ، وليس من نظر الله لهم ورأفته عليهم ورحمته بهم ان يتركهم هملا ويهملهم سدى كالغنم لا راعي لها بل مقتضى الرحمة والرأفة بهم يوجب في حكمة الله ان ينصب لهم من يقيم أودهم (٢) ويجمع كلمتهم ويهتدون الى سبيل النجاة بضياء علمه وينزجرون
__________________
(١) أي من الأدلة على أن نصب الامام واجب على الله تعالى لطفا منه.
(٢) الأود ـ بالتحريك ـ : الاعوجاج.