بالسّنة وبرهة بالقياس فاذا فعلوا ذلك فقد ضلّوا واضلوا) (١) انتهى قلت : والادلة على بطلان القياس كثيرة قد تكفلت ببيانها كتب اصحابنا في الاصول وليس الغرض هنا التنصيص على بطلان القياس حتّى نستزيد من الادلة على فساده وانّما الغرض نفي كونه طريقا الى تحصيل الحكم التكليفي وهو حاصل بما ذكرناه ، وامّا الرجوع الى البراءة الاصليّة فظاهر انّه مستلزم لرفع احكام كثيرة لانّها عبادة عن اصالة براءة الذمّة من الوجوب والتّحريم فليست بطريق لبيان الاحكام فتبين ان لا طريق لمعرفة جميع احكام الله المطلوبة من المكلفين الّا بيان الامام لأن بيان الرّسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لم يحصل في الجميع لكافة النّاس كما مرّ بيانه ووضح برهانه فلا بدّ من قائم مقامه في ذلك وهو خليفته والوارث منزلته ليبيّن للامّة ما احتاجوا إليه ، وحيث سلمت هذه المقدمات وصحت ثبت منها أن الحجة لله لا تقوم على العباد والعلة لا تزاح عنهم في جميع أزمنة التّكليف الا بهاد يهديهم الى الحق ومرشد يرشدهم الى الصّواب ودليل يدلهم على طريق الهدى وعالم لا يتغير علمه يبيّن لهم ما اختلفوا فيه من امر الدّين ويقيم لهم الكتاب ويوضح لهم متشابهات الآيات ويفصّل لهم مجملات السنة ويفسر لهم ما جهلوه من حدود الملّة وذلك هو الامام ، فاذن يجب في حكمة الله تعالى لذلك نصب امام يحصل به المطلوب في كل ازمنة التكليف ولا يجوز ان يخلو عصر من اعصار التكليف ولا وقت من اوقاته عمن يحصل به الغرض المذكور وتكون له تلك المرتبة الشّريفة.
الثالث (٢) : من الكتاب المجيد وهو قوله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ
__________________
(١) رواه السيوطي في الجامع الصغير ص ١٣٢ من طريق ابن عمر هكذا «تعمل هذه الأمة برهة بكتاب الله ثم تعمل برهة بسنة رسول ثم تعمل برهة بالرأي فاذا عملوا بالرأي فقد ضلوا).
(٢) أي من الأدلة على أن الامام منصوب من الله تعالى.