احد من المكلفين الّا وقد بعث إليهم الرّسول وانه سبحانه اقام الحجّة على جميع الامم انتهى ومثل ما قلناه في الآيتين قال به الحسن البصري في قوله تعالى : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ) (١) فقال : (لم يأتهم نذير من أنفسهم وقومهم وان جاءهم من غيرهم) ويحتمل أيضا أنّ المراد ما أتاهم من نذير من قبلك على حسب ما جئت به وكذلك في الآية الثانية وهذا كما قاله قوم في (لِتُنْذِرَ قَوْماً) الآية فتبيّن أنّ الآيتين اللّتين احتج بهما الخصم لا تدلان على خلوّ العصر من الرسل فضلا عن أن تدلّا على خلّوه من الأوصياء الهادين فسقط الاحتجاج بهما رأسا ،
وأما الآية الثالثة وهي قوله تعالى : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) فقد عرفت ما قيل فيها مما لا ينفي وجود الرّسل إلى قريش من غيرهم ، على أنّ المروي عن عكرمة (٢) في معناها لتنذر قوما كما انذر آباؤهم بجعل ما مصدريّة لا نافية وحرف التشبيه محذوف كما حذف في قوله تعالى : (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) (٣) وهذا القول ادل على المطلوب من الاوّل ويعضده آيات كثيرة (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ) الآية ، وآيات نفي الحجّة للنّاس على الله بعد الرّسل وقوله تعالى : (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ) (٤) وقوله تعالى : (قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٥) جوابا لقولهم
__________________
(١) يس ٦ ورأي الحسن البصري نقله الطبرسي في مجمع البيان ٨ / ٤١٦.
(٢) عكرمة بن عبد الله البربري المدني مولى ابن عباس من التابعين كان عالما بالتفسير وبالمغازي اتصل بنجدة الحروري وتأثر برأيه وخرج الى المغرب وأخذ عنه أهلها رأي الصفرية من الخوارج وعاد الى المدينة فطلبه أميرها فتغيب حتى مات حسنة ١٠٥.
(٣) النمل : ٨٨.
(٤) المؤمنون : ٤٤.
(٥) آل عمران : ١٨٣.