(لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) (١) الآية كما قاله بعض الافاضل واما في الظاهر فهي جواب لقول اليهود (أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ) (٢) كما قصّه الله من قولهم فلا حجة فيها على المقصود فهذه الآيات دالة على انّ الله عزوجل لم يترك أمّة بغير رسول تقوم به الحجّة عليهم وقال الشيخ الصّدوق : «ان معنى الآية الأولى وهي قوله تعالى : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) (٣) أي ما جاءهم رسول بتبديل شريعة ولا نسخ ملّة ولم ينف الهداة الدعاة من الأوصياء» (٤) انتهى وهو محتمل أيضا.
أما قوله : تعالى : (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) (٥) فلا دلالة فيه على نفي الرّسول وانّما غاية دلالته على انّه لم ينزل الله على قريش كتبا من السّماء بلسانهم قبل القرآن وهذا ما لا ينكره أحد ولا ينفع الخصم اذ لا يجب في كلّ رسول أن يكون معه كتاب وله شريعة بل يجوز ارسال الرّسل يدعون الى شريعة واحدة ولتأكيد ما في العقول كما ذهب إليه الامامية وأبو علي الجبائي واتباعه من المعتزلة ، ودلّ على الأوّل الاتفاق على أن لا شريعة لاحد من الأنبياء إلّا لآدم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمّد (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وان كلّ الرسل غيرهم يدعون الى الشرائع السّابقة على شريعتنا ، والحاصل انّ الآيات لا تدل على نفي الرسل مطلقا بوجه من الوجوه ، ولو نزلنا للخصم عن الحجّة وقلنا بدلالتها على ذلك لم تكن دالة على نفي امام هاد تقوم به الحجّة لله على العباد كما عرفت من البيان ، وقد وضح من ذلك سلامة ادلتنا الدالّة على وجوب وجود امام في كلّ زمان من ازمنة التّكليف عن
__________________
(١) طه : ١٣٤.
(٢) آل عمران : ١٨٣.
(٣) القصص : ٤٦.
(٤) إكمال الدين واتمام النعمة ٦٢٤ وقد نقله المؤلف هنا ملخصا.
(٥) سبأ : ٤٤.