خلقه دون ما لم يخلقه (١) مما يقدر عليه ويعلم أنه لا يفعله ومما يفعله عباده من الطاعة والمعصية.
فإن قال قائل : فما معنى قول الله تعالى (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ)(٢)؟ قيل له: انما خبر الله عن إبراهيم أنه حاج قومه فقال : [لهم (٣)](أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ ، وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) يقول نحتم خشبا ثم عبدتموه ، على وجه التوبيخ. ثم قال (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) يقول خلقكم وخلق الخشب الذي عملتموه صنما ، فسمى الصنم الذي عملوه عملا لهم (٤) وان كان الذي حل فيه من التصوير عملهم.
ولما ذكرناه نظائر من القرآن واللغة : فأما القرآن فقوله تعالى (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ)(٥) وانما عملهم حل في هذه الأمور ، فأما الحجارة فهي خلق الله لا فاعل لها غيره.
ومن ذلك أيضا قوله (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا)(٦) فالخشب خلق الله والعباد نجروه وعملوه فلكا وسفنا.
ومن ذلك أيضا قوله (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) فالحديد خلق الله ولكن العباد عملوه دروعا ، فعمل داود عليهالسلام حل في الحديد والحديد خلق الله.
وقال في الحية (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا)(٧) وإنما يريد أنها تلقف الحبال والعصي
__________________
(١) في أ : ما خلق.
(٢) سورة الصافات : ٩٦.
(٣) الزيادة من أ.
(٤) في مط : عملا له.
(٥) سورة سبإ : ١٣.
(٦) سورة هود : ٣٧.
(٧) سورة طه : ٦٩.