وهكذا أيضا يجري الأمر في الجواب إن توجه إلينا السؤال عن سبب قعود أمير المؤمنين عليهم السلام عن محاربة أبي بكر وعمر وعثمان ولم يقعد عن محاربة من بعدهم من الفرق الثلاث (١) والأصل في هذا كله واحد وما ذكرناه فيه كاف للمسترشد.
فإن قال السائل لنا جميع ما ذكرته من أفعال الله عزوجل فلا شبهة في أنه أعرف بالمصالح فيها وأن الخلق لا يعلمون جميع منافعهم ولا يهتدون إليها.
وأما النبي عليهم السلام وما جرى من أمره عام الحديبية فإنه علم المصلحة في ذلك بالوحي من الله سبحانه.
فمن أين لإمامكم علم المصلحة في ذلك وهو لا يوحى إليه؟
قيل له إن كان إمامنا عليهم السلام إماما فهو معهود إليه قد نص له على جميع ما يجب تعويله عليه وأخذ ذلك وأمثاله عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولنا مذهب في الإمام وعندنا أن الإمام عليهم السلام يصح أن يلهم من المصالح والأحكام ما يكون هو المخصوص به دون الأنام.
ثم نتبرع بعد ما ذكرناه بذكر السبب الذي تقدم فيه السؤال وإن كان غير لازم لنا في الجواب.
فنقول إن السبب في غيبة الإمام عليهم السلام إخافة الظالمين له وطلبهم بسفك دمه وإعلام الله أنه متى أبدى شخصه لهم قتلوه ومتى قدروا عليه أهلكوه فحصل ممنوعا من التصرف فيما جعل إليه من شرع الإسلام وهذه الأمور التي هي مردودة إليه ومعول في تدبيرها عليه فإنما يلزمه القيام بها بشرط وجود التمكن والقدرة وعدم المنع والحيلولة وإزالة المخافة على النفس والمهجة فمتى لم يكن ذلك فالتقية واجبة والغيبة عند الأسباب الملجئة إليها لازمة لأن التحرز من المضار واجب عقلا وسمعا وقد استتر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غار حراء ولم يكن لذلك سبب غير المخافة من الأعداء.
_________________
(١) وهم الناكثون من أهل البصرة والقاسطون معاوية وأصحابه ، والمارقون هم أصحاب النهروان أي الخوارج.