فإن قال السائل إن استتار النبي عليهم السلام كان مقدارا يسيرا لم يمتد به الزمان وغيبة صاحبكم قد تطاولت بها الأعوام.
قيل له ليس القصر والطول في الزمان يفرق في هذا المكان لأن الغيبتين جميعا سببهما واحد وهي المخافة من الأعداء فهما في الحكم سواء وإنما قصر زمان إحداها القصر مدة المخافة فيها وطول زمان الأخرى لطول زمان المخافة ولو ضادت إحداهما الحكمة وأبطلت الاحتجاج لكانت كذلك الأخرى.
فإن قال فالأظهر إبداء شخصه وإقام الحجة على مخالفيه وإن أدى إلى قتله.
قيل لهم إن الحجة في تثبيت إمامته قائمة في الأمة والدلالة على إمامته موجودة ممكنة والنصوص من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن الأئمة على غيبته مأثورة متصلة فلم يبق بعد ذلك أكثر من مطالبة الخصم لنا بظهوره ليقتل فهذا غير جائز وقد قال الله سبحانه (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) البقرة : ١٦٥
وقال موسى عليهم السلام (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) الشعراء : ٢١.
فإن قال السائل إن في ظهوره تأكيدا لإقامة الحجة وكشفا لما يعترض أكثر الناس في أمره من الشبهة فالأوجب ظهوره وإن قتل لهذه العلة.
قيل له قد قلنا في النهي عن التغرير بالنفس ما فيه كفاية ونحن نأتي بعد ذلك بزيادة فنقول إنه ليس كلما نرى فيه تأكيدا لإقامة الحجة فإن فعله واجب ما لم يكن فيه لطف ومصلحة ألا ترى أن قائلا قال لم لم يعاجل الله تعالى العصاة بالعقاب والنقمة ويظهر آياته للناس في كل يوم وليلة حتى يكون ذلك آكد في إقامته عليهم الحجة أليس كان جوابنا له مثل ما أجبنا في ظهور صاحب الغيبة من أن ذلك لا يلزم ما لم يفارق وجها معلوما من المصلحة.
وعندنا أن الله سبحانه لم يمنعه من الظهور وإن قتل إلا وقد علم أن مصلحة المكلفين مقصورة على كونه إماما لهم بعينه وأن لا يقوم غيره فيها