فإنّ الشخص الذي يريد أن يدافع عن حقّه في مقابلهم ، يكون هو الشّيطان بعينه ، ويجب أن يُقمع بأيّ وسيلةٍ كانت.
فنراهم يدافعون عن الديمقراطيّة وحكومة الشّعب ، دفاعاً مُستميتاً ، وفي نفس الوقت نراهم وفي زاوية أخرى من العالم ، يدافعون عن أسوَأ وأظلم المستبدّين الديكتاتورييّن لا لشيءٍ ، الّا لأن الأخلاق عندهم ليست هي : إلّا النّفع في بُعده المادي والشّخصي. والإنسان المادي لا يمتلك صورةً واضحةً عن الأخلاق في دائرة التّعامل مع الآخرين ، بل مفاهيم ضبابيّةً وصورةً قاتمةً.
والملاحظة الاخرى الّتي تجدر الإشارة إليها ، أنّ المادييّن لا يرون في سلوكهم الأخلاقي ، غير زمانهم ومكانهم الّذي هم فيه الآن ، ولا أهميّة عندهم لما فَعل الماضون ، ولا ما سيفعله اللّاحقون ، إلّا أن يكون له علاقةٌ بحاضرهم ، ومنطقهم يتمثّل به قول الشّاعر ، حيث يقول :
إن أنا مِتُّ فلا |
|
طلعت شمس الضّحى على أحدِ |
ولكن الموحّدين المعتقدين بالحياة الآخرة ، ومحكمة العدل الإلهي في يوم القيامة ، يعتقدون أنّ معطيات الأخلاق وبركاتها المعنوية ، جارية حتى بعد الممات ، ولو إمتدّت لِالاف السّنين ، وسيثاب الإنسان عليها في الاخرى ، ولذلك لا يتعاملون مع الواقع الدنيوي ، من موقع الزّمان الحاضر فقط ، بل من موقع التّفكير في الغد البعيد والحياة الخالدة.
وقد جاء في الحديث المعروف عن الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله ، أنّه قال :
«إذا مات المؤمن إنقطع عمله إلّا من ثلاث ، صدقةٍ جاريةٍ ـ أي الوقف ـ أو علمٍ يُنتفع به أو ولدٍ صالحٍ يدعو له» (١).
فالإيمان بالآخرة دافعٌ وحافزٌ آخر ، للحثّ على الأعمال ، الأخلاقية المهمة ، مثل الصّدقة الجارية والآثار العلميّة المفيدة وتربية الأولاد الصّالحين ، والحال أنّ لا مفهوم لهذه الامور لدى المادييّن.
وقد قسّم المرحوم الشّهيد (مُطهّري) ، في كتاب «فلسفة الأخلاق» ، الأنانيّة إلى ثلاثة أقسام : (للنّفس ، وللعائلة ، وللقوميّة) ، وعدّها كلّها من الأنانيّة ، التي تقف في الطّرف المقابل
__________________
١ ـ بحار الأنوار ، ج ٢ ، ص ٤٢.