وذلك جائز في اللغة ؛ لأن بالماء ظهور كل شيء وبدأه ؛ كقوله : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء : ٣٠] ، وإن كان العرش اسم السرير والكرسي على ما قاله بعض الناس ، فهو عرش الملك وسريره خلقه ليكرم به أولياءه ؛ ليمتحن ملائكته بحمله والخدمة له على ما يكون لملوك الأرض سرير يستخدمون خدمهم في ذلك ، وهو خلق من خلائقه أضافه إليه كما تضاف الأشياء إلى الله ، لكنه يضاف الأشياء إليه مرة بالإجمال مرة جملة ومرة بالإشارة والإفراد ، لكن ما أضاف إليه بالإشارة فهو على تعظيم ذلك الشىء ، وما أضيف إليه [من] الأشياء بالإجمال والإرسال فهو على ذكر عظمته وكبريائه ، كقوله : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [البقرة : ١٠٧] ، (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [الأنعام : ١] ونحوه [فيه ذكر سلطانه وعظمته ، وقوله : بيت الله (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) ونحوه](١) ، وهو يخرج على ذكر تعظيم البيت والمساجد ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أي : خلق السموات والأرض وما فيهما للممتحن لم يخلق هذه الأشياء لأنفسها إنما خلقها للممتحن فيهما ؛ كقوله : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [الجاثية : ١٣] ؛ لأن خلقها لأنفسها [عبث ؛ لأنها مخلوقة للفناء خاصة ، فكل مخلوق للفناء خاصة فهو عبث ؛ لذلك كان ما ذكر والله أعلم. وقوله تعالى : (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ).
وقوله : (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ) : هذا القول نفسه : (إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ) ليس يقولون هذا سحر ، ولكن إذا أخبرهم أنهم مبعوثون من بعد الموت ، وأقام الحجج والبراهين على البعث فحينئذ قالوا لحجج البعث وبراهينه : ما هذا إلا سحر.
ويحتمل وجها : وهو أن يذكر سفههم أنهم اعتادوا نسبة كل شيء إلى السحر ، حتى الأشياء التي لا تحتمل السحر وهو الإخبار ؛ لأن السحر إنما يكون في تقليب الأشياء ، وأما فيما يخبر عن شيء يكون فلا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) قيل : إلى وقت
__________________
ـ وثالثها : أن العرش الذي هو أعظم المخلوقات قد أمسكه الله فوق سبع سماوات من غير دعامة تحته ولا علاقة فوقه ؛ فدل على كمال القدرة.
ينظر اللباب (١٠ / ٤٤٠).
(١) سقط في ب.