و (كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) أي : مبين في كتابه. قيل : في اللوح المحفوظ (١) ، ويحتمل القرآن وغيره.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ).
وقال في موضع آخر : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) [السجدة : ٤] ، وقال في موضع آخر : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت : ٩] ، وقال : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت : ١٢] ، وقال : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) [فصلت : ١٠].
يجوز أن يكون جعل للأرض يومين : يوما لوجودها ويوما لعدمها ، وكذلك السماء جعل يوما لوجودها ويوما لعدمها ؛ كقوله : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ...) الآية [إبراهيم : ٤٨] ؛ وكقوله : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) [الأنبياء : ١٠٤] (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) [الفرقان : ٢٥]. وكذلك ما بينهما جعل يوما لوجوده ويوما لعدمه ، فيكون يوم السابع يوم البعث يكون لكل من ذلك يومان : يوم لوجوده ، ويوم لعدمه ، وقد ذكرنا شيئا في ذلك مما احتمل وسعنا في سورة الأعراف.
وفي هذه الآية دلالة أن السموات والأرض دخلتا (٢) تحت الأوقات بقوله : (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) [الأعراف : ٥٤] إذ الأيام عند الناس إنما هي (٣) مضى الأوقات ، فإذا دخلتا (٤) تحت الأوقات ليستا بأزليتين ـ على ما يقول بعض الملحدة إنهما أزليتان ـ كانا كذلك ، والله أعلم ، [وجائز أن يكون اليوم السابع هو اليوم الذي أنشأ الممتحن فيه ، فهو المقصود في خلق ما ذكر من الأشياء ، أعني من البشر ، وقوله :](٥).
(وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) إن كان العرش اسم الملك والسلطان على ما قال بعض أهل التأويل ، فتأويله ـ والله أعلم ـ كان أظهر ملكه عن الماء (٦) «على» بمعنى «عن» ،
__________________
(١) ذكره البغوي (٢ / ٣٧٤) ، وأبو حيان في البحر (٥ / ٢٠٥).
(٢) في أ : دخلت.
(٣) في ب : هو.
(٤) في أ : دخلت.
(٥) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٦) فإن قيل : ما الفائدة في ذكر أن عرشه كان على الماء قبل خلق السموات والأرض؟
فالجواب : أن فيه دلالة على كمال القدرة من وجوه :
أحدها : أن العرش مع كونه أعظم من السموات والأرض كان على الماء ؛ فلولا أنه تعالى قادر على إمساك الثقيل بغير عمد لما صح ذلك.
وثانيها : أنه تعالى أمسك الماء لا على قرار ، وإلا لزم أن يكون أجسام العالم غير متناهية ؛ فدل على كمال القدرة. ـ