ثم قوله : (عَلَى اللهِ رِزْقُها) : قال بعضهم : ما جاءها من الرزق إنما جاءها من الله لم يأتها من غيره وعلى الله بمعنى من الله وذلك جائز في اللغة ؛ كقوله : (إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ) [المطففين : ٢] أي : من الناس ؛ وهو قول مجاهد (١). ويحتمل قوله : (عَلَى اللهِ رِزْقُها) أي : على الله وفاء ما وعد ، وقد كان وعد (٢) أن يرزقها ، فعليه وفاء وعده وإنجازه.
ويحتمل وجها آخر : وهو أنه علم لما خلقها علم أنه يبقيها إلى وقت عليه تبليغ ما به تعيش إلى ذلك الوقت والأجل الذي خلقها ليبقيها إلى ذلك ؛ وبعضه قريب من بعض.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها) : اختلف فيه :
قال بعضهم : مستقرها بالليل ، ومستودعها بالنهار في معاشها (٣).
وقال بعضهم : المستقر : الرحم ، والمستودع : الصلب.
وقال بعضهم : المستقر : الصلب (٤) ، والمستودع : الرحم.
وقال بعضهم : المستقر : المتقلب في الدنيا ، والمستودع : مثواها في الآخرة ؛ كقوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ) في الدنيا وتحرككم في معاشكم (وَمَثْواكُمْ) [محمد : ١٩] أي : قراركم ومقامكم في الآخرة.
وقال بعضهم : مستقرها في الدنيا ، ومستودعها في القبر.
ويشبه أن يكون هذا إخبارا عن العلم بها في كل حال في حال سكونها وفي حال حركتها ؛ لأنها لا تخلو إما أن تكون ساكنة أو متحركة ، أي : يعلم عنها كل حالها ويشبه أن يكون صلة ما تقدم وهو قوله : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ...) الآية [هود : ٥] ، يخبر أنه إذا (٥) لم يخف عليه كون كل دابة في بطن الأرض ، وما تغيض به الأرحام وما استودع في الأصلاب ، كيف يخفى عليه أعمالهم التي عليها العقاب ولكم بها الثواب وفيها الأمر والنهي؟! والله أعلم.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٧ / ٣) (١٧٩٧٣) ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٨٠) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.
(٢) في ب : أوعد.
(٣) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٨١) وعزاه لأبي الشيخ عن أبي صالح ، وذكره البغوي بمثله عن ابن عباس (٢ / ٣٧٤).
(٤) أخرجه ابن جرير (٧ / ٤) عن كل من : مجاهد (١٧٩٧٩) ، وابن عباس (١٧٩٨٠) ، والضحاك (١٧٩٨١).
وذكره البغوي (٢ / ٣٧٤) ونسبه لعطاء وقال : رواه سعيد بن جبير وعلى بن أبي طلحة وعكرمة عن ابن عباس.
(٥) في ب : إذ.