وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) أي : قالوا : إنه افتراه ، أي : محمد افترى هذا القرآن من عند نفسه.
(قُلْ) : يا محمد إن كان افتريته على ما تقولون ، (فَأْتُوا) : أنتم ، (بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) : لأنكم أقدر على الافتراء من محمد ؛ لأنكم قد عودتم أنفسكم الكذب والافتراء ، ومحمد لم تأخذوه بكذب قط ولا ظهر منه افتراء ، فمن عود نفسه الافتراء والكذب أقدر [عليه](١) ممن لم يعرف به [قط](٢) ، فأتوا بعشر سور مثله وادعوا أيضا شهداءكم من الجن والإنس ممن استطعتم من دون الله يعينوكم على إتيان مثله ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنه افتراه من عنده.
أو يقول : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) أي أن محمدا قد جاء بسور [فيها أنباء](٣) ما أسررتم وأخفيتم مما لا سبيل إلى معرفة ذلك والاطلاع عليه إلا من جهة الوحي من السماء واطلاع الله إياه ، فأتوا أنتم بسورة مفتراة فيها أنباء ما أضمر هو وأسر ، وتطلعون أنتم على سرائره كما اطلع هو على سرائركم ، وادعوا من استطعتم ممن تعبدون من دون الله من الآلهة ، إن كنتم صادقين أنه افتراه.
أو يقول : إن لسانكم مثل لسان محمد ، فإن قدر هو على الافتراء افترى مثله من عنده ، فتقدرون أنتم على افتراء مثله : فأتوا به ، وادعوا أيضا من لسانه مثل لسانكم حتى يعينوكم على ذلك ، إن كنتم صادقين أنه افتراه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) ، وقال في موضع آخر : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ).
قال بعضهم : بعشر نزل قبل ولم تقدروا على مثله ، وقوله : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) دعوا (٤) أولا أن يأتوا بعشر سور ، فلما عجزوا (٥) عن ذلك عند ذلك قيل لهم : (فَأْتُوا
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : فيه إيتاء.
(٤) في ب : ادعوا.
(٥) اختلفوا في الوجه الذي كان القرآن لأجله معجزا ، فقيل : هو الفصاحة ، وقيل : الأسلوب ، وقيل : عدم التناقض ، وقيل : اشتماله على الإخبار عن الغيوب ، والمختار عند الأكثرين : أن القرآن معجز من جهة الفصاحة ، واستدلوا بهذه الآية ؛ لأنه لو كان إعجازه هو كثرة العلوم ، أو الإخبار عن الغيوب ، أو عدم التناقض لم يكن لقوله : (مُفْتَرَياتٍ) معنى ، أما إذا كان وجه الإعجاز هو الفصاحة صح ذلك ؛ لأن فصاحة الفصيح تظهر بالكلام ، سواء كان الكلام صدقا أو كذبا ، ثم إنه لما قرر وجه التحدي قال : (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) : واستعينوا بمن استطعتم (مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) يا أصحاب محمد ، وقيل : لفظه جمع والمراد به الرسول ـ صلوات الله البر الرحيم ـ