إيمانهم ، وذلك فيما يحل له الترك ، وذلك ما قيل من نحو سب آلهتهم وذكر العيب فيها ، ويحل له ترك سب آلهتهم وشتمها. وكذلك يخرج قوله : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) على هذين الوجهين ، على المنع ألا يحمل على نفسه إشفاقا على أنفسهم ألا يؤمنوا ما يوجب تلفه.
والثاني : على التخفيف ؛ كقوله : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ...) الآية [الحجر : ٨٨] ، وقوله : (وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي) [القصص : ٧] هو على التخفيف ليس على النهي.
وفي قوله : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ ...) الآية وجه (١) آخر : وهو نهي يخرج مخرج البشارة [له بما](٢) كان يخاف من ضيق صدره واشتغال قلبه عند سوء معاملتهم إياه ، فيقع له فيه تأخير في إبلاغ ما أمر بتبليغه فأمنه الله عن ذلك وعصمه.
والوجه الثاني : في النهي (٣) عن ذلك هو ما يقع له فيه الرجاء ، وذلك أن الأخيار إذا ابتلوا بالأشرار قد يؤذن لهم بمفارقتهم وترك الأمر فيهم ، فلعله كان يقع له في مثله الرجاء أنه قد يؤذن له ، في حال من الأحوال بتأخير التبليغ ، فأيئسه عن ذلك وكلفه بتبليغ ما أمر له في جميع أحواله و (بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) يحتمل ما ذكر أهل التأويل من سب آلهتهم وعيبها وما تدعو إليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) : يضيق صدره بما يقولون له استهزاء ، وكذلك الحق أن كل من استهزئ به أن يضيق صدره لما لا يقدر على إتيان ما طلبوا منه من الكنز (٤) وإنزال الملك ، وقد وعدوا أن يؤمنوا لو فعل ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) : لأن للكنز والملك محلّا في قلوب أولئك وقدرا فقالوا : لو لا أنزل عليه كنز [فيعظموه فيصدق على ما يدعي ، وكذلك الملك له محل عظيم عندهم إذا كان معه عظموه وصدقوه.
وقوله : (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) أثر قولهم : لو لا أنزل عليه كنز](٥) أو جاء معه ملك أي : إنما أنت نذير ليس عليك إتيان ما سألوا ، إنما ذلك تحكم منهم على الله تعالى وأمانيّ ، فعليك إبلاغ ما أنزل إليك ؛ كقوله : (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) [الشورى : ٤٨].
(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أي : حفيظ لكل ما يقولون فيك ويتفوهون به ، أو هو الوكيل والحفيظ لا أنت ؛ كقوله : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية : ٢٢] ، وقوله : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) [الأنعام : ١٠٧] ونحوه ، والله أعلم.
__________________
(١) في أ : ووجه.
(٢) في أ : مما.
(٣) في أ : والنهى.
(٤) في أ : الملك.
(٥) ما بين المعقوفين سقط في أ.