كانوا يعملون ؛ لأنهم عملوا لغير الله ، فلا يجزون في الآخرة بأعمالهم تلك ، وإلى هذا يذهب ابن عباس.
وروي في بعض الأخبار أن نبي الله صلىاللهعليهوسلم سئل : ما بال العبد المعروف بالخير يشدد عليه عند الموت ، والرجل المعروف بالشرّ يهون عليه الموت؟! فقال : «المؤمن تكون له ذنوب فيجازى بها عند موته ، فيفضي إلى الله في الآخرة ولا ذنب عليه ، والكافر يكون له الحسنات فيجازى بها عند الموت يخفف عنه بها كرب الموت ، ثم يفضي إلى الآخرة وليست له حسنة» (١) أو كلام نحوه.
وقال بعضهم : الآية في أهل الكفر (٢) يعملون أعمالا هي في الظاهر صالحة ؛ نحو : التصدق على الفقراء وعمارات الطرق واتخاذ القناطر والرباطات هي في الظاهر صالحة ، يقول : نوف لهم جزاء أعمالهم التي عملوها في الدنيا لا ننقص منها شيئا فهو ما وسع عليهم الدنيا.
وجائز أن يكون قوله : (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ) أي : نرد إليهم أعمالهم التي عملوها فلا نقبلها ويكون إيفاء أعمالهم الرد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) أي : لا ينقصون ما قدر لهم من الرزق إلى انقضاء مدتهم وآجالهم بشركهم بالله.
وقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) : على هذا التأويل [ظاهر ليس لأهل الكفر في الآخرة إلا النار](٣) وعلى التأويل الذي قال : إنها في أهل الإيمان ، أي : لا يستوجبون بتلك الأعمال التي عملوها مراءاة إلا النار ؛ لأنه إذا راءى فيها لم يخلصها لله وضيع أمره ، وكل من ضيع أمر الله وفريضته يستوجب التعذيب عليه وله العفو ، وليس في الآية أنه لا محالة يعذبهم بعملهم المراءاة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) فيه دلالة نقض قول الجهمية والمعتزلة بنفيهم العلم عن الله ، وفي الآية إثبات العلم له بقوله : (أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ).
وقوله : (أَفَمَنْ) حرف يقتضي الجواب لكن الجواب له لم يخرج في الظاهر ؛ لأن
__________________
(١) أخرجه بمعناه مسلم (٤ / ٢١٦٢) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة وتعجيل حسنات الكافر في الدنيا (٥٦ / ٢٨٠٨) ، وأحمد في المسند (٣ / ١٢٣ ، ٢٨٣) عن أنس بن مالك.
(٢) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٣٧٧) ، وكذا أبو حيان في البحر (٥ / ٢١٠) ونسبه لمجاهد.
(٣) سقط في أ.