والأصم و [البصير والسميع](١).
ثم وجه ضرب مثل الكافر بالأعمى والأصم ، والمؤمن بالبصير والسميع ، فهو ـ والله أعلم ـ أن الكافر أعمى القلب وأصم السمع ، لم يبصر ما غاب عنه من الموعود ، ولا يسمع (٢) ما غاب عنه من الموعود ، وإنما أبصر ظواهر الأمر ؛ وكذلك إنما سمع ظواهر من الأمور وبواديها (٣) ، لم ينظر إلى الغائب من الموعود ولا سمع ذلك ، وهو لم يخلق لمعرفة ذلك الظاهر خاصة ، وإنما خلق لما وعد وأوعد في الغائب.
والمؤمن أبصر ذلك الغائب وسمع ما غاب من الموعود ، فيقول [كما لم يستو](٤) عندكم في الظاهر البصير والأعمى والسميع والأصم لم يستو من كان أعمى القلب بمن كان بصير القلب بذلك ، ولم يستو أيضا من به صمم القلب بمن كان سميعا بذلك.
(أَفَلا تَذَكَّرُونَ) : أنهما لا يستويان ، أو يقول : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي : أفلا تتعظون بما نزل من القرآن وتنتهون عما تنهون ، والله أعلم.
وفى قوله : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ) وجوه من الأسئلة :
أحدها : أن يقال : كيف احتج عليهم وهو ما ذكر أنهم عميان وصم أو كالعميان والصم ، ولا يكلف الأعمى الإبصار والنظر ولا الأصم السماع؟!
والثاني : يقولون : إنا [بصراء سمعاء](٥) ليس بنا صمم ولا عمى ، بل أنتم العميان والصم.
والثالث : كيف ذكر المثل لهم ، وهم لا يتفكرون ولا ينظرون في المثل ولا يلتفتون إليه؟! (٦)
__________________
(١) في ب : السميع والبصير.
(٢) في ب : سمع.
(٣) في ب : باديها.
(٤) في أ : كما يسبق.
(٥) في ب : سمعاء بصراء.
(٦) وقد أحسن الزمخشري في التعبير عن ذلك فقال : شبه فريق الكافرين بالأعمى والأصم ، وفريق المؤمنين بالبصير والسميع ، وهو من اللّفّ والطباق ، وفيه معنيان : أن يشبه الفريقين تشبيهين اثنين ، كما شبه امرؤ القيس قلوب الطير بالحشف والعنّاب ، وأن يشبه بالذي جمع بين العمى والصمم ، والذي جمع بين البصر والسمع ، على أن تكون الواو في «والأصم» وفي «والسميع» لعطف الصفة على الصفة ؛ كقوله :
................................. الص |
|
صابح فالغانم فالآئب |
يريد بقوله (اللف) : أنه لف المؤمنين والكافرين اللذين هما مشبهان بقوله : (الفريقين) ، ولو فسرهما لقال : مثل الفريق المؤمن كالبصير والسميع ، ومثل الكافر كالأعمى والأصم ، وهي ـ