وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ) : تأويله ـ والله أعلم ـ أن الذين آمنوا بالله وبجميع ما أنزل على رسوله ، وعملوا الصالحات ولزموا ذلك حتى صاروا إلى الله أولئك أصحاب الجنة ؛ وهو كقوله : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) [طه : ٨٢] أي : من تاب من الشرك وآمن بالله وعمل صالحا ثم اهتدى أي : ثم لزم ذلك حتى صار (١) إلى الله هكذا ؛ فعلى ذلك قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) لزموا ذلك كله حتى صاروا إلى الله.
ويحتمل قوله : (ثُمَّ اهْتَدى) سنن الذين أولئك كذا.
وقوله : (وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) اختلف فيه :
قال بعضهم : الإخبات التخشع والتواضع (٢) ، أي : تخشعوا وتواضعوا فرقا من ربهم.
وقال بعضهم : أخبتوا أي : اطمأنوا على ذلك أولئك كذا.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : أخبتوا قال : خافوا من ربهم (٣).
وقال القتبي (٤) : أخبتوا أي : تواضعوا لربهم ، وقال : الإخبات التواضع والوقار.
وقال أبو عوسجة : الإخبات التوبة والمخبت التائب.
وقال غيرهم : الإخبات الإنابة ، أخبتوا أي : أنابوا إلى الله ؛ وبعضه قريب من بعض. ومن قال : الإخبات هو التواضع والخشوع فمعناه ـ والله أعلم ـ أي : تواضعوا وخشعوا بالإجابة إلى ما دعاهم إليه ربهم وندبهم إليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ) أي : الصنفين اللذين سبق وصفهما ، وهو قوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها ...) الآية [هود : ١٥] فهو وصف الكافر ، والفريق الآخر قوله : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) [هود : ١٧] إلى آخر ما ذكر وفيه وصف المؤمن. أو يكون وصف الكافر ما ذكر : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ ...) إلى قوله : (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) هو وصف أحد الفريقين وهم الكفار ، والفريق الآخر ما ذكر : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) هذا ـ والله أعلم ـ الفريقين اللذين ضرب مثلهما بالأعمى
__________________
(١) في ب : صاروا.
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٦) (١٨١١٥) عن قتادة ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٩٠) وزاد نسبته لعبد الرزاق وأبي الشيخ عن قتادة.
(٣) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٥) (١٨١١١) ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٨٩) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن عباس.
(٤) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٠٢).