يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) أخبر أنه يمتعهم ثم يصيبهم عذاب أليم ، ويمتع المؤمن أيضا في هذه الدنيا بأنواع المنافع ، ثم أخبر أن العاقبة للمتقين ثم جعل العاقبة للمتقين بإزاء ما جعل لهم عذابا أليما أعني الكفرة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) : ولم يكن مع نوح أمم يومئذ ، إنما كانوا معه نفرا ، لكنه أراد ـ والله أعلم ـ الأمم التي كانوا من بعده كأنه قال : وعلى أمم يكونون من بعدك ، فهذا (١) يدل أن دين الأنبياء والرسل جميعا دين واحد ، وإن اختلفت شرائعهم ؛ لأن تلك الأمم لم يكونوا بأنفسهم مع نوح ، ولا كانوا معه في العبادات التي كان فيها نوح ؛ دل أنهم كانوا جميعا على دينه وهو واحد ، وعلى ذلك يخرج دعاؤه : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ ...) الآية [نوح : ٢٨] ، دعاء بالمغفرة له لكل مؤمن ومؤمنة يكون من بعده ؛ وكذلك يحق على كل كافر دعاؤه : (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً) [نوح : ٢٨].
وقوله ـ عزوجل ـ : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ) : يحتمل قوله : (تِلْكَ) أي : قصة نوح من أنباء الغيب غابت عنك لم تشهدها ، ولم تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ، إن كان المراد من قوله : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) قصة نوح خاصة وأنباؤه ، كان يجيء أن يقول : هذه من أنباء الغيب نوحيها إليك ، لكنه كأنه على الإضمار ، أي : هذه الأنباء تلك الأنباء التي ذكرت في كتبهم ، وإن كان المراد هذه وغيرها من الأنباء يصير كأنه قال : هذه من تلك الأنباء. ويحتمل قوله : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) القصص كلها قصة نوح وغيره من الأنبياء من أنباء الغيب ، غابت عنك لم تشهدها ولا تعلمها أنت ولا قومك ، خص قومه لأن غيره من الأقوام قد كانوا عرفوا تلك الأنباء فيخبرونهم فيعرفون به صدق رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وفيه دلالة إثبات رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم لأنه أخبرهم على ما أخبر أولئك الذين عرفوا تلك الأنباء بكتبهم ؛ ليعلم أنه إنما عرف ذلك [بالله تعالى إذ تلك](٢) الأنباء كانت بغير لسانه ، ولم يعرف أنه اختلف إلى أحد (٣) منهم ؛ دل أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاصْبِرْ) يحتمل قوله : (فَاصْبِرْ) على تكذيبهم إياك ، وعلى أذاهم أو اصبر على ما أمرت ونهيت ، واصبر على ما صبر إخوانك من قبل ؛ كقوله : (كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٣٥] ونحوه.
__________________
(١) في أ : فهو.
(٢) في أ : بالله أن تلك.
(٣) في أ : لأحد.