وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) أي : لا تضرونه بتوليكم عن إجابتي وردكم رسالة الله إليكم ، ليس كملوك الأرض إذا تولى عنهم خدمهم وحشمهم ضرهم ذلك.
والثاني : لا تضرونه كما يضر ملوك الأرض بالقتال والحرب بعضهم بعضا.
والثالث : لا تضرونه لأنه لا منفعة له فيما يدعوكم حتى يضره ضد ذلك ؛ إذ ليس يدعوكم إلى ما يدعو لحاجة نفسه ولا لمنفعة له ، إنما يأمركم ويدعوكم لحاجة أنفسكم والمنفعة لكم.
ويحتمل أن يكون لا تضرونه شيئا جواب قوله : (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ...) الآية.
(إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) [لا يخفى عليه شيء وإن لطف ، فكيف يخفى عليه أعمالكم وأموالكم مع ظهورها وبدوها. أو يقول : إن ربي على كل شيء حفيظ](١) : فيجزيه عليه ، ولا يذهب عنه شيء ، أي : لا يفوته ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً).
قوله : (جاءَ أَمْرُنا) أمر تكوين لا أمر يقتضي الساعة ؛ كقوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ؛ فعلى ذلك هذا هو أمر تكوين وقد ذكرناه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) : هذا يدل أن من نجا إنما نجا برحمة منه لا بعمله ؛ وعلى ذلك روي في الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله ، قيل : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» (٢) ، لا على ما يقوله المعتزلة : إن من نجا إنما ينجو بعمله لا برحمته.
ثم يحتمل قوله : (بِرَحْمَةٍ مِنَّا) وجوها ؛ تحتمل الرحمة هاهنا هودا ، أي : رحمهم به حيث بعث إليهم رسولا فنجا من اتبعه ، فإن كان هذا ففيه أن أهل الفترة معاقبون في حال فترتهم ؛ لأنه أخبر أن من نجا إنما نجا بهود ، فدل أنهم معاقبون قبل بعث الرسل إليهم.
ويحتمل قوله : (بِرَحْمَةٍ مِنَّا) أي : بتوفيق منا إياهم نجا من نجا منهم.
والثالث : (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) [قال بعضهم : نجيناهم من العذاب الذي أهلك هؤلاء. ويحتمل أن يكون على الوعد أي : ينجيهم في الآخرة من عذاب غليظ](٣).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا) أي : وتلك أهل قرية عاد جحدوا بآيات ربهم
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٢) تقدم.
(٣) ما بين المعقوفين سقط في أ.