وقوله : (آخِذٌ بِناصِيَتِها) أي : في ملكه وسلطانه ، يقال : فلان آخذ بحلقوم فلان ، وفلان في قبضة فلان ليس أنه في قبضته بنفسه أو آخذ بحلقوم فلان ، ولكن يراد أنه في سلطانه وفي ملكه (١) وفي قبضته.
(إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي : على الذي أمرني ربي ودعاني إليه ، أو يكون قوله : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي : أن الذي أمرني ربي ودعاني إليه هو صراط مستقيم ؛ كقوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) [الفجر : ١٤].
وقال أبو عوسجة : الاعتراء هو الأخذ ، يقال : اعترته الحمى أي أخذته.
وقال القتبي (٢) : الاعتراء [هو](٣) الإصابة ، بقول : إلا اعتراك : أصابك ، يقال : اعتريت : أصبت ، وهو ما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) : يحتمل على الإضمار أي : فإن تولوا عن إجابتك وطاعتك فقل قد أبلغتكم [رسالات ربى](٤) ؛ لأن قوله : (تَوَلَّوْا) إنما هو خبر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَبْلَغْتُكُمْ) : خطاب ، وأمكن أن يكونا جميعا على الخطاب ، يقول : فإن توليتم عن إجابتي فيما أدعوكم إليه ، فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم وليس على إلا تبليغ الرسالة إليكم ؛ كقوله : (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) [المائدة : ٩٩] ؛ وكقوله : (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) [النحل : ٨٢] ، يقول : إنما على إبلاغ الرسالة (٥) إليكم ، ليس على جرم توليكم عن إجابتي ؛ كقوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) [النور : ٥٤] ونحوه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) [فيه وجهان : أحدهما : يخبر عن هلاكهم ؛ لأنه أخبر أنه يستخلف قوما غيرهم ؛ لأنه ما لم يهلك هؤلاء لا يكون غيرهم خلفهم](٦) : لأنهم كانوا يقولون : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت : ١٥] ، يقول ـ والله أعلم ـ : إن قوة أبدانكم وبطشكم لا تعجز الله عن إهلاككم ، وفيه أن عادا ليسوا هم النهاية في العالم ، بل يكون بعدهم قوم غيرهم ، والله أعلم.
__________________
(١) في ب : وملكه.
(٢) ينظر : غريب القرآن لابن قتيبة (٢٠٤).
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : رسالاتي.
(٥) في ب : رسالته.
(٦) ما بين المعقوفين سقط في أ.