أي : إنا إنما ننهاك عن سب آلهتنا وذكر العيب فيها إشفاقا عليك لئلا يصيبك [شىء منها](١).
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : قالوا : «شتمت آلهتنا فخبلتك وأصابتك بالجنون» (٢) ، فتأويله ـ والله أعلم ـ أنك إنما تدعونا إلى ما تدعونا إليه وتدعي ما تدعي لما أصابتك آلهتنا بسوء واعترتك بجنون ، كانوا يخوفونه أن تصيبه آلهتهم بسوء بتركه عبادتها ، على ما كانوا يرجون ويطمعون بعبادتهم إياها شفاعتها لهم ؛ قال : (إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) به وتعبدونه من الآلهة ، واشهدوا أنتم أيضا بأني بريء من ذلك ، (فَكِيدُونِي جَمِيعاً) : أنتم وآلهتكم فيما تدعونني من الهلاك أو السوء ، (ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) أي : ثم لا تمهلون في ذلك.
ويحتمل قوله : (فَكِيدُونِي جَمِيعاً) [أنتم وآلهتكم](٣) ؛ يقول : اعملوا أنتم وآلهتكم جميعا التي تزعمون أنها خبلتني وأجنتني ، (ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ). أي : لا تمهلون ، وهذا من أشد آيات النبوة ؛ لأنه يقول لهم وهو بين أظهرهم وحيدا ، فلولا أنه يقول ذلك لهم بقوة من الله والاعتماد له عليه والانتصار به ، وإلا ما اجترأ أحد أن يقول مثل هذا بين أعدائه علم أنه قال ذلك بالله تعالى ؛ وكذلك قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ ...) الآية [الأعراف : ١٩٥] ، وقول نوح : (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ ...) الآية [يونس : ٧١] ، وقول شعيب : (وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ ...) الآية [هود : ٩٣] وأمثاله ، قالوا ذلك بين أظهر الاعداء ولم يكن معهم أنصار ولا أعوان ؛ دل أنهم إنما قالوا ذلك بالله وذلك من آيات النبوة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ) أي : فوضت أمري [إلى الله](٤) ، أو وكلت في جميع عملي إليه ، أو وثقت به واعتمدت عليه فيما توعدونني من الهلاك ، أو توكلت عليه في دفع ما أوعدتموني ربي وربكم ، أي : كيف توعدونني بآلهتكم التي تعبدون ، ولا تخافون الذي تعلمون أنه هو ربي وربكم؟! وهو كما قال إبراهيم : (وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ...) الآية [الأنعام : ٨١].
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) : يميتها متى شاء.
__________________
(١) في ب : منها شيء.
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٥٩) (١٨٢٨٦) ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٦١٠) وعزاه لابن جرير عن ابن عباس.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : إليه.