استغفروا ربكم ثم توبوا إليه واحدا.
ويحتمل على التقديم والتأخير توبوا إليه ثم استغفروا ما كان منكم من المساوي ، أي : أقبلوا إلى طاعة الله واندموا على أفعالكم.
وقوله : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) : معلوم أن هودا لم يرد بقوله : (اسْتَغْفِرُوا) أن يقولوا : نستغفر الله ، ولكن أمرهم أن يطلبوا السبب الذي به تجب لهم المغفرة وتحق وهو التوحيد ، كأنه قال : وحدوا ربكم فآمنوا به ثم توبوا إليه ، أو يقول : اطلبوا المغفرة بالانتهاء عن الكفر ؛ كقوله تعالى : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣١].
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) : قال بعض أهل التأويل : إنه قد كان انقطع عنهم المطر وانقطع نسلهم (١) ، فأخبر أنكم إن تبتم إلى الله ، واستغفرتم ربكم (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً ...) الآية حتى تناسلوا وتتوالدوا.
ويحتمل قوله : (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً) أي : يزدكم قوة أفعالكم إلى قوة أبدانكم ؛ لأنهم كانوا أهل قوة وأهل بطش بقولهم قالوا : من أشد منا قوة.
ويحتمل على الابتداء : يرسل السماء عليكم مدرارا ، ويزدكم قوة إلى قوتكم.
فقوله : (وَلا تَتَوَلَّوْا) عما أدعوكم فيه ؛ فتكونوا (مُجْرِمِينَ) ولا تتولوا عما أدعوكم فيه ؛ فتكونوا مجرمين. المجرم قال أبو بكر : هو الوثاب في الإثم ، وقيل : هو المكتسب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) : على ما تدعونا إليه ، أو على ما تدعي من الرسالة ، فعند ذلك قال [لهم هود](٢) : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ).
(وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا) أي : ما نحن بتاركي عبادة آلهتنا عن قولك ، أي : بقولك ، كان لا يدعوهم هود إلى ترك عبادة آلهتهم بقوله خاصة ، ولكن قد دعاهم وأقام على فساد ذلك الحجج والبراهين ، لكنهم قالوا متعنتين مكابرين : (وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) فيما تدعونا إليه ، وتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) قيل : [هو كان](٣) يسب آلهتهم ويذكرهم بالعيب فيقولون : إن يعترك من بعض آلهتنا سوء أو يصيبوك بجنون وخبل ، فلا عجب (٤) أن يصيبك منها فاجتنبها سالما ، فذلك يخرج منهم مخرج الامتنان ،
__________________
(١) ذكره البغوي بمعناه (٢ / ٣٨٨) ، وكذا أبو حيان في البحر (٥ / ٢٣٣).
(٢) في ب : هود لهم.
(٣) في ب : كان هو.
(٤) في أ : فلا يجب.