كفؤا لهن ، ثم عرض عليهم في ذلك الوقت ؛ ليعلموا قبح ذلك الفعل الذي قصدوا بأضيافه ، أو كلام نحو هذا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي) وقال في موضع آخر : (فَلا تَفْضَحُونِ) [الحجر : ٦٨] ليعلم أن الإخزاء هو الفضيحة ؛ هذا يدل أن الخزي هو الذي يفضح من نزل به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) قال بعضهم : هم أن يزوج بعض بناته من يصدر لرأيه فيمنعهم عنهم ؛ كأنه يقول : أليس منكم من يرشد ويصدر لرأيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) أي : أليس منكم رجل يقبل الموعظة ، ويرشدكم ، ويعظكم ، أو يقول : أليس منكم رجل رشيد على النفي فيمنعهم عما يريدون ويقصدون.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ) على التأويلين اللذين ذكرناهما يكون : الحق : حق النكاح ، أو حق الاستمتاع ، وفي بعض التأويلات من حق : من حاجة ، وبذلك يقول عامة أهل التأويل : (ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ) أي : من حاجة (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ) يعنون : الأضياف (قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) أي : قوة في نفسي (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) قيل : عشيرته. والركن الشديد عند العرب : العشيرة ؛ يقول : لو أن لي بكم قوة في نفسي أو عشيرة يعينوني لقاتلتكم ؛ فيه دلالة أن من رأى آخر على فاحشة فله أن يقاتله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ) تأويله ـ والله أعلم ـ : أنك تعلم أن ليس لنا في بناتك من حق كما ليس لنا فى (١) أضيافك من حق فكيف تمنعنا عنهم وتعرض علينا بناتك ، فهن فيما ليس لنا فيهن حق كأولئك ، والله أعلم.
(قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) قيل : قالوا ذلك للوط : لن يصلوا إليك ؛ لما طمسوا أعينهم ، وهو كقوله : (وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) [القمر : ٣٧].
وقال قائلون قالوا ذلك للوط [لما أوعدوا للوط](٢) حين طمست أعينهم أن ضيفك سحروا أبصارنا ، فستعلم غدا ما تلقى أنت وأهلك ، فقالوا عند ذلك : لن يصلوا إليك بسوء غدا بأنهم يهلكون.
ودل قوله : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) على أنهم قد هموا للوط وأوعدوه حتى قال ما قال ؛ ألا ترى أن الملائكة قالوا له : إنهم لن يصلوا إليك ، فهذا على ما ذكرنا.
__________________
(١) في أ : من.
(٢) سقط في أ.