لما ذكرنا أنّه كالأب لهم.
ثم يحتمل معنى جعل النبي لأولاد قومه كالأب ، وأزواجه كالأم وجهين :
أحدهما : نسبوا إليه للشفقة ، فهو (١) أشفق بهم من الأب والأم.
أو : لحق التربية وتعليم الدين كالأب لهم ؛ فهو أولى بهم من أنفسهم لهذين الوجهين.
وقال بعضهم : أراد بنات نفسه (٢).
ثم اختلف فيه.
قال بعضهم : كان ذلك منه تعريضا لهم للنكاح ؛ يقول : هؤلاء بناتي هن أطهر لكم نكاحا إن كنتم قابلين للإيمان.
ومنهم من قال : هو تعريض منه لما هو زنا عندهم ، لا أنه عرض ذلك عند نفسه ، وهذا كما يقولون بأن من أكره على أن يشتم محمدا صلىاللهعليهوسلم فلا بأس بأن يشتم ويقصد بشتمه محمدا آخر يحل له شتمه ، وإن كان عند المكره أنه يشتم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد أن جعل (٣) الشاتم في قلبه [غيره](٤) ، وكذلك إذا أكره [على](٥) أن يشتم الإله ، فيقصد بالشتم شتم آلهتهم ، وإن كان عندهم أنه [إنما](٦) يشتم إلهه الذي يعبده ؛ فعلى ذلك يحتمل قول لوط : (هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) تعريض زنا عندهم ، وإن كان عنده أنه ليس لذلك يقصد.
وقال قائلون : قال هذا ليريهم قبح الفعل الذي كانوا يقصدون بأضيافه ؛ لأن الزنا كان عندهم محرما فعرض عليهم بناته ؛ ليعرفوا قبح ذلك الفعل ؛ حيث احتمل فعله (٧) في بناته ولم يحتمل في أضيافه ؛ ليمتنعوا عن ذلك.
أو يحتمل أن يكون قال ذلك وإن كان كلاهما لا يحلان ، لكن أحدهما أيسر وأهون ، ويجوز الجمع بين شرين ؛ فيقال : هذا أطهر لكم وأحل من هذا ، وهذا أيسر من هذا وأهون ، وإن كان كلاهما شرين ، فالزنا وإن كان حراما فذلك مما يحل بالنكاح ، وأدبار الرجال لا تحل بحال.
وقال بعضهم : إنهم كانوا يخطبون بناته ، وكان أبي أن يزوجهن منهم ؛ لما لم يكونوا
__________________
(١) في ب : هو.
(٢) ذكره البغوي (٢ / ٣٩٣) ، وكذا أبو حيان (٥ / ٢٤٧).
(٣) في أ : أخطر.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في ب.
(٦) سقط في ب.
(٧) في أ : قلبه.