نزول العذاب وغيب ما في الأرض ؛ كأنه خرج جواب ما سألوه من العذاب ؛ كقوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) [العنكبوت : ٥٣] وكقوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [يونس : ٤٨] وقوله : (ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فقال : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : علم ذلك عند الله ، وكقوله : (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٥٨] وأمثاله.
ويشبه أن يكون جواب ما تحكموا على الله من إنزال القرآن ، وجعل الرسالة في غيره كقولهم (١) : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] و (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢] فقال : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ ...) الآية [الزخرف : ٣٢] ، وقال : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] فعلى ذلك قوله : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لا إلى الخلق ، والله أعلم بما أراد (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) إليه يرجع أمر الخلق كله وتدبيرهم (فَاعْبُدْهُ) أي : اعبده في خاص نفسك (وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) في تبليغ الرسالة إليهم ؛ أي : لا يمنعنك كيدهم ومكرهم بك عن تبليغ الرسالة ، ولا تخافن منهم ، فإن الله يحفظك من كيدهم ومكرهم بك ؛ كقوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] و (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) هذا يؤيد ما ذكرناه ؛ أي : ما ربك بغافل عما يريدون بك من كيدهم ومكرهم ؛ بل يعلم ذلك ، وينصرك ، وينتصر منهم ، وهو كقوله لموسى وهارون : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى. قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى. قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) [طه : ٤٤ ، ٤٦] أي : اسمع قوله وجوابه [إياكما ، وأرى ما يفعل ، أي : أنصركما فلا تخافا ؛ فعلى ذلك الأول ، والله سبحانه وتبارك وتعالى أعلم](٢).
* * *
__________________
(١) في أ : كقوله.
(٢) ما بين المعقوفين سقط في أ.