عن هذه الأنباء ، وعن قصصهم ؛ فهذا يدل أن الإيمان بجملة الأنبياء والرسل إيمان ، وإن لم يعرف أنفس الأنبياء وأنفس الرسل وأساميهم ؛ لأنه أخبر أنه كان غافلا عن أنبائهم ، وعن قصصهم ، ولا شك أنه كان مؤمنا بالله مخلصا ، وبالله العصمة.
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : أحسن القصص : كلام الرحمن.
وقال مجاهد : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) [الزمر : ٢٣] : كلام ربّ العالمين.
وقوله : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) يخرج على وجهين :
أحدهما : أن يكون الذي سألوا عنه رسول الله عن قصة يوسف صيرورة بني إسرائيل بمصر ، وقد كانوا من قبل بالشام ، فقال : تلك الأنباء والقصص نجعلها آيات هذه السّورة التي هي من الكتاب المبين.
أو تلك آيات حجج وبراهين لرسالة محمد صلىاللهعليهوسلم إذ هي من أنباء الغيب عنهم ، فعلم الأنباء عنها بالله سبحانه وتعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) دل قوله : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) إن إخوة يوسف كانوا علماء وعيون الأرض ، نجوما يقتدى بهم ويهتدى ؛ إذ بالنجوم يقتدى في الأرض ، وبها يهتدون الطرق والمسالك.
ودل قوله : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) حيث ـ خرج على أبويه ـ أنه كان بهما جميع منافع الخلق ؛ إذ بهما صلاح جميع الأغذية في الأرض ، ونضج جميع الفواكه والأنزال ، وجميع المنافع التي بالناس حاجة إلى ذلك.
ودل قوله : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) أن الرؤيا تخرج على عين ما رأى ، وتخرج على غيره بالمعنى الذي يتصل به ؛ لأنه رأى الكواكب
__________________
ـ وثانيها : لحسن مجاوزة يوسف عن إخوته ، وصبره على أذاهم ، وعفوه عنهم بعد التقائهم عن ذكر فعلهم ، وكرمه في العفو عنهم ، حتى قال : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)[يوسف : ٩٢].
وثالثها : أن فيها ذكر الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ والصالحين ، والملائكة ، والجن ، والشياطين ، والإنس ، والطير ، وسير الملوك ، والمماليك ، والتجار ، والعلماء ، والجهال ، والرجال ، والنساء وحيلهن ومكرهن ، وذكر التوحيد ، والفقه ، والسير ، وتعبير الرؤيا ، والسياسة ، والمعاشرة ، وتدبير المعاش ، وجمل الفوائد التي تصلح للدين والدنيا.
ورابعها : أن فيها ذكر الحبيب والمحبوب وسيرهما.
وخامسها : أن «أحسن» هنا بمعنى : أعجب.
وسادسها : سميت أحسن القصص ، لأن كل من ذكر فيها كان مآله إلى السعادة ، وانظر إلى يوسف ، وأبيه وإخوته ، وامرأة العزيز ، قيل : والملك أيضا أسلم بيوسف ، وحسن إسلامه ، ومستعبر الرؤيا ، والساقي ، والشاهد ـ فيما يقال ـ فما كان أمر الجميع إلا إلى خير ، والله ـ تعالى ـ أعلم. ينظر : اللباب (١١ / ٦ ، ٧).